الاختيار ، فإنكار كون تلك الجهات المدركة لنا في الأفعال التي تستقلّ عقولنا بأحكامها يشبه أن يكون سفسطة في سفسطة! فإنّ المفروض استقلال العقل بإدراك الحكم في البعض.
ثمّ اعلم ، أنّ معنى قولهم : « إنّ حكم العقل بوجوب شيء أو حرمته ممّا يمكن أن يتوصّل به إلى الحكم الشرعي » أنّه يمكن أن يجعل دليلا للحكم الشرعي ، فإنّ حكم العقل باستحقاق فاعل الإحسان جزاء الخير بمنزلة كبرى كلّيّة لخصوص حكم الشارع ، بمعنى إرادته ورضاه وطلبه للإحسان ، وإن كان إطلاق الحكم على هذا المعنى مجازا عندهم كما لا يخفى.
ومن هنا يلوح ضعف ما أفاده المحقّق القمّي رحمهالله في تحرير العنوان من قوله : « كما تبيّن عندنا معاشر الإماميّة تبعا لأكثر العقلاء : أنّ العقل يدرك الحسن والقبح ـ إلى قوله ـ كذلك من الواضح : أنّه يدرك أنّ بعض هذه الأفعال ممّا لا يرضى بتركه ـ إلى أن قال ـ وما توهّمه بعض المتأخّرين : من أنّ حكم العقل محض استحقاق المدح والذمّ ، فهو مبني على الغفلة عن مراد القوم وحسبان أنّ حكم العقل إنّما هو الذي ذكروه في مبحث إدراك العقل » (١).
ووجه الضعف أمران :
أحدهما : حسبانه تعدد النزاع وقد علمت أن كلام الأكثرين يشعر بخلافه.
الثاني : أنّه على ما أفاده فلا معنى لدليليّة حكم العقل لحكم الشرع ، بل العقل تارة يدرك الحسن والقبح بمعنى المدح والذمّ ، وأخرى يدرك الثواب والعقاب بمعنى أنّه يدرك أنّه ممّا يرضى الله تعالى بفعله أو لا يرضى به ،
__________________
(١) القوانين ٢ : ٢ ، الباب السادس ، المقصد الرابع ، القانون الأوّل.