فإن قلت : إنّ من جملة ما يقرّب العباد إلى الطاعة ويبعّدهم عن المعصية هو وعد الله سبحانه على الطاعة ووعيده على ارتكاب المعصية ، بل هذا من أعظم ألطافه ـ جلّت عظمته ـ على العباد ، فالإخبار بالعفو إنّما يوجب التهاون في مدركات العقول ويورث الإغراء في أفاعيلهم والذهول ، فربما يفرط المكلّف فيما تشتهيه نفسه من ارتكاب المحرّمات العقليّة وترك واجباتها اتّكالا على عفوه تعالى واعتمادا على فضله ، وذلك ينافي ما هو المعلوم من طريقة الشرع من الحثّ على فعل الواجبات والتحريض على ترك المحرّمات ، فهو نقض لغرضه تعالى ؛ وعلى هذا فلا وجه لحمل الآية على الإخبار بالعفو ، بل لا بدّ من حملها على نفي الحكم قبل بيان الرسول صلىاللهعليهوآله ، فيتمّ ما يراه المستدلّ من نفي الحكم الشرعي في موارد استقلال العقل.
قلت : مع أنّ ذلك لازم على تقدير عدم الحكم الشرعي في موارد حكم العقل أيضا على ما تنبّه به المستدلّ أيضا (١) في بيان وجه ترديده ـ كما لا يخفى على من لاحظ كلامه ـ فهو منقوض :
أوّلا : بالموارد التي وعد الله تعالى بالعفو عنها (٢) فيها ، كما فيمن ترك الكبائر ، فإنّه عفو في صغائره ، على ما يشهد به الكتاب العزيز : من قوله تعالى : ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ )(٣) الآية ، وكما في الظهار (٤) ، فإنّ ما دلّ على حرمته
__________________
(١) لم يرد « أيضا » في ( ش ).
(٢) لم يرد « عنها » في ( ش ).
(٣) النجم : ٣٢.
(٤) المجادلة : ٢.