استلزام الحكم العقلي للحكم الشرعي ـ واقعيّا كان أو ظاهريّا ـ مشروط في نظر العقل بعدم ثبوت منع شرعي من جواز تعويله عليه ـ إلى أن قال (١) ـ : والجواب المذكور إنّما يقتضي منع دلالتها على القسم الأوّل (٢) ، انتهى.
ولا يخفى أنّ الجواب المذكور في غاية المتانة وبمكان من الواقع (٣) ؛ فإنّك قد عرفت سابقا في مسألة القطع : أنّ حجّيّة العلم غير مجعولة ، بل هو بنفسه طريق إلى الواقع وليس بواسطة في ثبوت أحكام متعلّقه له ، إذ الأحكام ممّا تترتّب عليه في مرتبة ذاته ، والعلم متأخّر عن المعلوم ولا يعقل تأثير المتأخر في المتقدم وإلاّ يلزم تقديم المتأخر أو تأخير المتقدّم.
بل التحقيق : أنّ القطع إنّما هو مرآة لثبوت أحكام متعلّقه عليه ؛ ولهذا لا يحتاج في إثباتها وترتّبها (٤) عليه إلى شيء آخر عدا دليل الواقع ، فإنّ الكبرى في قياس يطلب فيه إثبات التحيّز مثلا للإنسان هو قولنا : « كلّ حيوان متحيّز »
__________________
(١) ورد في ( ط ) مكان « إلى أن قال » نصّ عبارة الفصول : ولهذا يصحّ عقلا أن يقول المولى الحكيم لعبده : لا تعوّل في معرفة أوامري على ما تقطع به من قبل عقلك أو يؤدّي إليه حدسك ، بل اقتصر في ذلك على ما يصل منّي إليك بطريق المشافهة أو المراسلة. ومن هذا الباب ما أفتى بعض المحقّقين : من أنّ القطّاع الذي يكثر قطعه من جهة أمارات لا توجبه يرجع عادة إلى المتعارف ولا يعوّل على قطعه الخارج منه ـ إلى أن قال ـ ولكن العقل قد يستقلّ في بعض الموارد بعدم ورود منع شرعي ، وقد لا يستقلّ ولكن يبني على التعويل عليه في الظاهر ما لم يثبت خلافه. والاحتجاج بالآية على تقدير دلالتها إنّما يقتضي منع حجّية القسم الثاني.
(٢) الفصول الغروية : ٣٤٣.
(٣) لم يرد « وبمكان من الواقع » في ( ش ).
(٤) في ( ط ) : « في إثبات الآثار وترتيبها ».