المسألة وتذنيباتها ـ كما يظهر ذلك بعد الرجوع إلى عناوينهم ـ إحداهما وجوب شكر المنعم ، والأخرى هذه المسألة ، فكأنّهم قالوا : سلّمنا أنّ للعقل في بعض العناوين ـ كوجوب ردّ الوديعة والظلم والإحسان ـ حكما ، ولكنّا لا نسلّم أنّ هذين المقامين من جملة موارد حكم العقل ، فلا حكم للعقل على تقدير حكومته فيهما. والعدليّة قالوا : بأنّ العقل يحكم في الأولى منهما بالوجوب ، وبالإباحة أو الحظر في الثانية.
فمحصّل النزاع في المقام إنّما يرجع إلى أنّ للعقل حكما في الأشياء الخالية عن أمارة المفسدة أم لا؟ ولا مدخل في تشخيص المرجع في العمل عند الشكّ فيه ، فانّ الحاضر ربما يحكم بالإباحة في ذلك المقام والمبيح بالحظر ، من غير تناف بينهما ، لإمكان ورود دليل عقليّ أو نقليّ آخر على خلاف ما أصّله في هذا المقام.
وملخّص النزاع في المقام الآتي يرجع إلى أنّ المرجع شرعا عند الشكّ في التكليف ـ باختلاف أقسامه وموارده سواء كان المدرك في ذلك هو العقل أو النقل ـ ما ذا؟ فالأخباريّ على الاحتياط والأصولي على البراءة ، فكان الجهة الملحوظة في تلك المسألة مباينة للجهة المبحوث عنها في المقام.
وبعبارة مجملة هي : أنّ مسألة أصالة البراءة من المسائل الأصوليّة التي هي مبان لأحكام أفعال المكلّفين. وهذه المسألة من فروع الخلاف في الحسن والقبح الذي هو من مبادئ الأحكام ، على ما هو المحرّر في كلماتهم كما لا يخفى.
وأمّا ثانيا : فلأنّ المقصود بأصالة الإباحة ـ بعد الإغماض عمّا تقدّم ـ هو إثبات الإباحة التي هي من الأحكام. والمطلوب بأصل البراءة هو نفي العقاب.