وما يستفاد من بعض الأدلّة الناهضة عليها من إثبات الإباحة كقوله : « كلّ شيء مطلق » (١) ونحوه إنّما هو تفضّل من الدليل ، وإلاّ فلا وجه للتمسّك ببعض ما لا يستفاد منها إلاّ رفع العقاب كما هو الغالب فيها ، كقوله : « ما حجب الله علمه عن العباد ... » (٢) وقوله : « رفع عن امتي ... » (٣) ونحوهما ممّا يدل على الرفع والوضع وانتفاء العقاب والمؤاخذة.
لا يقال : إنّ مفاد أصالة الإباحة لا يزيد على نفي الحرج وعدم المؤاخذة ، فلا ينهض فرقا.
لأنّا نقول : إنّ المبيح يدّعي الإذن والترخيص ، كما يستفاد من قولهم في دفع حجة الحاظرين : بأنّ الإذن معلوم.
وأمّا ثالثا : فبأنّ النزاع في المقام في الإباحة الواقعيّة ، وفي البراءة في الإباحة الظاهرية. ويظهر ذلك من الرجوع إلى مطاوي استدلالاتهم وفحاوي كلماتهم ، ألا ترى أنّهم قد جعلوا في قبال القول بالحظر القول بالوقف (٤) مع تصريحهم باشتراكهما في العمل (٥) ، فلولا أنّ المراد بالحظر الحظر الواقعي لما صحّ عدّ القول بالوقف قولا آخر ، ولا شكّ أنّ الحظر بعد ما كان واقعيّا لا مناص من كون الإباحة أيضا واقعيّة.
__________________
(١) الوسائل ٤ : ٩١٧ ، الباب ١٩ من أبواب القنوت ، الحديث ٣.
(٢) الوسائل ١٨ : ١١٩ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٨.
(٣) الوسائل ١١ : ٥٦ ، الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث الأوّل والثاني.
(٤) وهو مختار الشيخ في العدّة ٢ : ٧٤٢ ، ونسبه فيه إلى شيخه المفيد قدسسره ، وانظر معارج الاصول : ٢٠٣ ، ومناهج الأحكام : ٢٠٨.
(٥) كما صرّح به السيّد في الذريعة ٢ : ٨٠٩.