عدم الحكم ، فإنّ الأحكام وإن كانت منحصرة في الخمسة ، إلاّ أنّه لا ينهض دليل على ثبوتها في جميع الأشياء بحسب حكم العقل ، فتدبّر.
ورابعها : ما استند إليه جملة من المتأخّرين (١) ، وهو استقرار طريقة العقلاء بعدم الاجتناب عنها وحكمهم بلحوق المتحرّز عنها بأصحاب السوداء والجنون ، واستحقاق المقتصر في التنفّس على قدر الحاجة للذمّ عقلا.
وفيه : أنّ محلّ الكلام على ما مرّ يشمل فيما لو كان المفسدة مشكوكة ؛ لأنّ انتفاء أمارة المفسدة لا ينافي الشك بوجودها (٢). ولا نسلّم استقرار طريقة العقلاء في محلّ الشكّ بالإباحة لو لم نقل بأنّ سجيّة كلّ عاقل يحكم بالاجتناب عند الشكّ ، لعدم العلم بالإذن عند الشك. وأمّا إلحاق المتحرّز بأصحاب السوداء والجنون فهو إنّما يثمر في إبداء الاحتمال ، لا العمل بمقتضاه بعد حصول الشكّ (٣).
وبالجملة ، لا دلالة في الدليل المذكور على الإباحة في جميع الصور ، بل العقلاء يقتصرون على الظنّ بالسلامة ولو بتحصيل الظنّ من بعض السوالف (٤) ، والامور الغير المعتبرة من التسويلات النفسانيّة كما هو مشهور (٥).
__________________
(١) منهم المحقّق القمّي في القوانين ٢ : ٩.
(٢) كذا ، والظاهر : في وجودها ، وكذا في الموارد الآتية.
(٣) في ( ط ) زيادة ما يلي : « كما قد يمكن الاستشعار من قولهم أصحاب السوداء ، على ما لا يخفى ».
(٤) السوالف ، جمع السالفة ، لغة عاميّة يقصد بها القصص وأمثالها.
(٥) في ( ط ) زيادة ما يلي : « كما هو مشهود من ملاحظة حالهم في أمور معاشهم ، مثلا لو فرضنا نزول بليّة مساوية النسبة في الكلّ فالنفس تحتال في إخراجها منها لا على وجه يكون مردّدا في الواقع ، بل في تحصيل الظنّ بالخروج ، كما لا يخفى ».