وإن أبيت عن ذلك ، فنقول : لو كان الأوامر المترتّبة على تلك الامور وما يقاربها تشريعيّة يلزم التسلسل ، وبطلان التالي كالملازمة ضروريّ ، فلا يترتّب على مخالفة النهي عن معصية الرسول إلاّ ما يترتّب على معصية الرسول ، ولا عصيان في تلك المخالفة ؛ لما عرفت من لزوم التسلسل على تقديره.
فظهر من جميع ما مرّ : أنّ حكم العقل بوجوب شيء إنّما هو مجرّد إرشاد منه ، وحكم الشرع المطابق له قد يكون تشريعيّا كما في كثير من الشرعيّات ، وقد يكون إرشاديّا كما في وجوب دفع الضرر الاخروي المنتهى إلى العقاب وما يماثله ؛ وإذا تمهّدت هذه المقدّمة ، فنقول : قد تقدّم في مباحث الظنّ اختلاف مشارب القائلين بالانسداد في كيفيّة الاستنتاج منه ، فتارة بالحكومة كما هو مشرب التحقيق ، واخرى بالكشف على ما مرّ تفصيل القول في بيان المراد منهما. وعلى التقديرين لا وجه لتفريع مسألة الظنّ على مسألة الملازمة.
أمّا على الأوّل : فلأنّ حكم العقل تارة في مقدّماته كقبح التكليف بما لا يطاق ، واخرى في نفس النتيجة وعلى التقديرين لا يتمّ ما ذكره.
أمّا الأوّل ، فلأنّ قبح التكليف راجع إلى فعل الله تعالى وخروج أفعاله تعالى عن مسألة التلازم والتطابق ممّا لا يدانيه ريبة ، فإنّ أفعاله تعالى ليس ممّا يتعلّق به حكم شرعيّ. وأمّا الحكم العقلي فيها (١) فليس على ما هو المتراءى منه كما تخيّله جهّال الأشاعرة على ما تقرّر في محلّه.
__________________
(١) في ( ش ) : « وأمّا العقلي فيهما ».