يستريب فيه العاقل فضلا عن الفاضل. وأمّا المنقولة معنى فهي وإن كانت مفاد اللفظ الصادر عن الإمام عليهالسلام لكنّه بشرط العلم أو الظنّ المعتبر بمساواة الألفاظ في الأصل والمنقول في الإفادة ، ولا يجوز التعويل في النقل على أمر قد اعتقده اجتهادا ، والملحوظ فيه إنّما هو بيان المراد من حديث واحد. إلى غير ذلك.
وأمّا الفتوى فهي عبارة عن الإخبار بأحكام الله بحسب الاعتقاد ، ومنشأ الاعتقاد إنّما يكون الخبر تارة وغيره تارة أخرى ، فيجوز الفتوى عند توقّفها على إعمال الظنون الاجتهاديّة في الأحاديث الواصلة إلى المجتهد والأخذ بمجامعها وحمل بعضها على بعض. إلى غير ذلك من الاختلافات التي يطّلع بها الخبير المتتبّع بين الفتوى والنقل للرواية معنى.
ومن هنا منع من الفتوى بعض من لم يمنع من الرواية معنى ، بل لعلّ النقل بالمعنى ممّا لم يقل بالمنع منه أحد من أصحابنا ، فإنّ المخالف في هذه المسألة أبو بكر الرازي وأتباعه (١). بخلاف الفتوى ، فإنّ الأخباريّة بأجمعهم على المنع من الإفتاء ، فإنّه فرع الاجتهاد وهم ليسوا من أصحاب الاجتهاد كما هو المعروف من طريقهم. وكلمات جملة منهم ممّن اطلعنا عليها صريحة فيما ذكرنا ، فما يجوز عندهم من الفتوى عبارة عن نقل الحديث بالمعنى ، وما ليس كذلك فلا يجوّزونه ويلحقونه بالقول بالقياس والاستحسان ، ويعتقدون أنّ أرباب الفتاوى ـ بالمعنى الذي ذكرنا ـ خرجوا بذلك عمّا هو المأخوذ عن الأئمّة الأطهار ، وزعموا أنّهم في ذلك تبعوا العامّة في العمل بالرأي والاجتهاد المنهيّ عنه والاستحسان.
وليس المقام محلّ إبطال ذلك الزعم ، وإنّما المقصود أنّهم لمّا أرادوا الفرق بين الفتوى والنقل اعتقدوا فساد الأوّل زعما منهم أنّها داخلة في المنهيّ عنه.
__________________
(١) انظر الإحكام للآمدي ٢ : ١١٥.