ويظهر منه أنّ تجويزهم لذلك ليس إلاّ من جهة أنّ الفتوى عندهم هي الرواية المنقولة بالمعنى على وجه لو اعتقد اختلافهما ما كان يقول بذلك ، كما هو ظاهر من مساق كلامه.
وبالجملة ، أنّ المجتهدين قد خالف طريقتهم طريقة الأخباريّين في العمل بالظنون الاجتهاديّة التي هي منتهية إلى القطع ، والأخباريّون لا يعتقدون العمل بالظنون وإن كان عملهم على خلاف معتقدهم ، فيتخيّلون أنّ الفتوى عبارة عن الرواية المنقولة ، فحسبوا جواز الاعتماد عليها بعد الموت وقبله كالرواية. بخلاف المجتهدين ، فإنّهم يعتقدون الاختلاف بين الرواية والفتوى بما عرفت ، فلا يرون الجواز.
ومن هنا يظهر أيضا : أن لا وجه لاستدلال بعضهم بطريقة السلف ، فإنّهم كانوا يعملون بفتاوى عليّ بن بابويه عند إعواز النصوص ، فإنّ تلك الفتاوى ليست بمنزلة الفتاوى المعمولة عندنا ، فإنّ أمثالها من فتاوى أصحاب الأئمة إنّما هي في الأغلب مضامين الروايات كما يرى الأخباريّون في مطلق الفتاوى ، فهي أخبار منقولة بالمعنى وهي حجّة للمجتهد والمقلّد ، ومن اطّلع على حال السلف وكيفيّة الاستفتاء والإفتاء يقطع بما ذكرنا.
ويكفيك شاهدا في المقام ما قاله العمري بعد ما سئل عنه عن كتب الشلمغاني ، فإنّه قال : أقول فيها ما قاله العسكري عليهالسلام في كتب بني فضّال : « خذوا ما رووا وذروا ما رأوا » (١) فإنّه أفتى بنصّ الرواية.
__________________
(١) كتاب الغيبة : ٣٨٩ ـ ٣٩٠ ، الحديث ٣٥٥ ، والوسائل ١٨ : ٧٢ ، الباب ٨ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٧٩.