الحاصل حال الحياة بشرط بقائها ، فإنّ الوجه في المنع هو عدم العلم بالجواز فيما عدا الظنّ الحاصل في زمان الحياة ، بل ولو فرض بقاء الظنّ بعينه بعد الموت ما كنّا نقول بجواز اتّباعه كما عرفت في تقرير الأصل.
ثم إنّه ربما يستدلّ أيضا على ارتفاع الظنّ بعد الموت : بأنّ الإدراك إنّما هو من مقتضيات الصفراء ، وبعد الموت ترتفع جميع الأخلاط.
وهو على تقدير تسليمه لا يقضي بارتفاع الإدراك الحاصل وإنّما يقضي بعدم حصوله بعد ارتفاع ما يقضي به.
وقد يدّعى بداهة عدم بقاء الظنّ وزواله بعد الموت كما هو الظاهر من الوحيد البهبهاني رحمهالله (١).
ولعلّ مراده : أنّ من المشاهد المحسوس صيرورة العالم عاميا بعد اندراس علومه وانطماس ملكته بواسطة الهرم والكبر الموجبين لضعف القوى الحيوانيّة سواء كانت من القوى الإدراكيّة أو غيرها ، فكلّما يتزايد الهرم فيه يزداد الضعف في قواه إلى أن يصل إلى حدّ لا يقدر على الكسب ، ثم يزداد إلى أن يصل إلى حدّ لا يقدر على حفظ مدركاته في السابق ، وكلّ ذلك بواسطة اختلال يقع في البدن ، ويرشد إلى ذلك قوله تعالى : ( وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً )(٢) فلو لا أنّ القوى الجسمانيّة التي ترتفع بعد الموت قطعا لها مدخل في الصور العلميّة حدوثا وبقاء لا معنى لزوال تلك الصورة بعد حدوث الضعف في تلك القوى. وتوضح ذلك ملاحظة حال من اختلّ دماغه بواسطة حدوث حادثة في هامّته كالضرب الشديد مثلا ، فإنّه يختلّ إدراكه ومدركاته أيضا.
__________________
(١) انظر الرسائل الفقهية : ٩ ـ ١٠.
(٢) النحل : ٧٠.