وبالجملة ، فمدخليّة الأمور الجسمانيّة في حدوث الإدراك وبقائه على الوجه المذكور ظاهر ، إلاّ أنّه مع ذلك لا نجد من أنفسنا الحكم بارتفاع الصور العلميّة بعد الموت بعد ما عرفت من الأمارات المقتضية للبقاء ، فتدبّر.
ثمّ إنّه قد استدلّ المحقّق الثاني بما يقرب من الوجه المذكور ، وهو : أنّ دلائل الفقه لمّا كانت ظنّية لم تكن حجّيتها إلاّ باعتبار الظنّ الحاصل معها ، وهذا الظنّ يمتنع بقاؤه بعد الموت ، فيبقى الحكم خاليا عن السند فيخرج عن كونه معتبرا شرعا (١).
وتوضيحه : أنّ الأمارات الظنّية بنفسها لا تستلزم النتائج ، وإلاّ لكانت أدلّة ، فلا يجوز التعويل عليها ما لم يقترن معها ظنّ الفقيه على وجه الاستدامة الحكميّة كما في حال النوم والغفلة ؛ ولهذا لا يجوز العمل بها لمن لم يبلغ درجة الفقاهة ولا له بعد زوال ظنّه وتبدّله إلى نقيضه ، فالمعتبر حقيقة هو ظن الفقيه الحاصل من الأمارة ، ويمنع بقاء الظنّ بعد الموت.
واعترض عليه في الوافية (٢) ـ بعد تسلّم زوال الاعتقادات ـ بمنع خلوّ الحكم عن السند ، قال : وهل هذا إلاّ عين المتنازع فيه؟ إذ نقول : إذا حصل للمجتهد العلم أو الظنّ بالحكم من دليل أو أمارة اقترن به علمه أو ظنّه فلم لا يجوز العمل بذلك الحكم؟
وحاصله : أنّه لا دليل على استدامة مقارنة الظنّ للحكم ، لم لا يكتفى باقترانه له في الجملة في حال الحياة؟ فدعوى لزوم المقارنة الدائميّة في مرتبة نفس المدّعى أو عينه.
__________________
(١) حاشية الشرائع : ٩٩.
(٢) الوافية : ٣٠٢ ـ ٣٠٣.