أقول : لا إشكال في أنّ القدر المعلوم حجّيته ـ على ما قلنا في تقرير الأصل ـ هو الظنّ على الوجه الّذي أفاده المحقّق الثاني فإنّه على تقدير البقاء أيضا قلنا : بأنّه ليس مناطا للعمل ، لكونه مشكوكا فيه. وعلى هذا التقرير لا وجه للمنع المذكور ، فإنّ من يقول بخلافه لا بدّ له من إقامة الدليل ، فإنّه موافق للأصل. لكن الكلام في إتمام هذا الدليل مع قطع النظر عن الأصل على وجه لو كان الأصل بخلاف ذلك يكون كافيا في قطع الأصل ، فاعتراض الفاضل التوني في محلّه كما هو قضيّة الإنصاف.
الخامس : ما استند إليه المحقّق المذكور ، وهو أنّه لو جاز العمل بفتوى الفقيه بعد موته لامتنع في زماننا الإجماع على وجوب تقليد الأعلم والأورع من المجتهدين ، والوقوف لأهل هذا العصر عليهما بالنسبة إلى الأعصر السابقة كاد أن يكون ممتنعا (١).
أقول : إنّ معرفة الأعلم في السابقين ليس بأشكل من معرفته في الموجودين ، بل لعلّه أسهل. وعلى تقدير ذلك لا دليل على ثبوته فيكون ساقطا ، لامتناع التكليف بما لا يطاق ، وعلى تقدير السقوط لا يدلّ على عدم جواز تقليد الميّت.
والأولى أن يقال : إنّ وجوب تقليد الأعلم مع جواز تقليد الميّت يوجب عدم جواز تقليد الأحياء في الغالب ، إذ قلّ ما يتّفق أن يعلم بالأعلميّة في الأحياء حتى بالنسبة إلى الأموات ، فالإجماع على وجوب تقليد الأعلم في الأحياء دليل على أنّ الأموات لا عبرة بأقوالهم.
__________________
(١) حاشية الشرائع : ٩٩.