قال الشهيد (١) في رسالته المعمولة في المسألة : لو صحّ جواز تقليد الميّت يلزم من ذلك التزام شنيع ، وهو أنّه يتعيّن الرجوع حينئذ إلى الأعلم من الأحياء والأموات عملا بما قرّرناه من القاعدة ، فلو فرض مجتهد حيّ يعلم قصور رتبته عن بعض من سلف من الفقهاء الأموات ولكن ليس في العصر سواه أو فيه غيره ولكنّه أعلم الأحياء ، يلزم على هذا عدم جواز الرجوع إليه والأخذ بقوله ، لوجوب تقليد الأعلم والفرض أنّ بعض الأموات أعلم منه وأنّ قولهم معتبر ، وهذا خلاف الإجماع.
لا يقال : هذا الفرض منفيّ بالإجماع على خلافه ، فبقي الكلام فيما لا إجماع عليه ، فإنّ مثل ذلك كاف في تخصيص العامّ والتمسّك بما عدا المخرج بالدليل.
لأنّا نقول : هذا باطل محال لزم من جواز تقليد الميّت من حيث اتّفق أو على وجه مخصوص ، وكلّ حكم لزم منه [ المحال ] فهو محال ، فيكون جواز تقليد الميّت على ذلك الوجه محالا ، وبه يتمّ المطلوب (٢).
أقول : لمانع أن يمنع لزوم ذلك من تقليد الميّت ، فلعلّه ناش من لزوم تقليد الأعلم ، إلاّ أنّه خلاف الإنصاف ؛ لأنّ وجوب تقليد الأعلم عندهم مفروغ عنه ، فالإجماع المحكيّ على وجوب تقليد الأعلم لا بدّ من تخصيصه بالأحياء على وجه يظهر منه عدم الاعتداد بتقليد الأموات ، فيكون هذا الإجماع مثل الاجماعات المنقولة على عدم جواز تقليد الميّت ، إلاّ أنهما مختلفان بالصراحة والظهور.
__________________
(١) أي الشهيد الثاني.
(٢) رسائل الشهيد الثاني ١ : ٤٠.