وبالجملة ، الأحكام الثابتة للموضوع المطلق في الشريعة لا بدّ من حملها وترتيبها على الموضوع المستصحب ، وأمّا أحكام الموضوع الخاصّ فلا يترتّب على استصحاب الموضوع المطلق.
فإن قلت : إنّ جواز العمل وترتيب الأحكام السابقة إنّما هو من أحكام مطلق الموضوع ، إذ لا يراد في المقام إثبات أنّ القول هو الموضوع أو الشخص هو الموضوع أو غير ذلك ، ضرورة أنّ الاستصحاب لا يقضي بذلك ، بل المراد الأخذ بالأحكام السابقة حال الحياة المتفرّعة على موضوعها الواقعي وإن لم يكن معلوما لنا بالخصوص إلاّ أنّه معلوم على وجه الإجمال حال الحياة ، وبعد الموت نشكّ في وجود ما يترتّب عليه الأحكام فيستصحب ذلك المعلوم الإجمالي ويترتّب عليه أحكامه ، نظير استصحاب وجود الكرّ المطلق فيما إذا كان ممّا يترتّب عليه حكم ، كما لو نذر أن يعطي فقيرا درهما لو كان الكرّ مثلا موجودا.
قلت : نعم ، إلاّ أنّه يمكن القول بأنّ الموضوع هو الظنّ ، لعدم ترتيب هذه الأحكام على غيره في الشريعة عند انتفائه ، وهو غير معلوم الوجود ، وعلى تقدير الوجود فلا عبرة به أيضا ، لاحتمال مدخليّة الحياة فيه ، وأصالة عدم مدخليّة الحياة في الموضوع لا يجدي ؛ لأنّ ذلك لا يشخّص أنّ الموضوع هو الظنّ المطلق. وبعبارة ظاهرة : أنّ عدم جريان الاستصحاب موقوف على عدم العلم ببقاء الموضوع واحتمال ارتفاعه في الواقع ، وأصالة عدم المدخليّة لو كان مفاده في الشرع وجود الموضوع كان مجديا ولكنّه لا يترتّب على عدم المدخليّة وجود الموضوع إلاّ بواسطة مقدّمة عقليّة ، فتأمّل في المقام ، فإنّ الأمر بمكان من الغموض والخفاء.
وهذا تمام الكلام في الوجوه العقليّة. ولهم أيضا بعض الوجوه الأخر ، إلاّ أنّ الإنصاف إن التعرّض لها يوجب التعطيل فيما هو الأهمّ.