وأمّا الأمور التي يقفها (١) المدّعي فهي ممّا لا يزيح علّته ولا ينفع في غلّة (٢) وإنّما هي كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ، فإذا قربت منها تراها موقدة لنار الغلّة ومزيدة للداء والعلّة.
أمّا الأوّل : فلأنّ الإجماع على طريقة الحدس غير متوقّف على الاجتماع ، وعلى طريقة اللطف والبرهان فهو موقوف على الاجتماع ، إمّا في عصر واحد ، فلا حاجة أيضا إلى الاتّفاق في جميع الأعصار ، وإمّا في جميع الأعصار ، فلا بدّ من عدم الخلاف في جميعها لصدق الاجتماع. وذلك إنّما هو لأجل تحصيل الاتّفاق ولا ربط له بشيء من التقليد ، وذلك ظاهر لمن له عين البصارة فضلا من البصيرة.
وأمّا الثاني : فلأنّ فائدة تدوين الكتب لا تنحصر في التقليد بل منها يعرف مواقع الإجماع وكيفيّات الاستنباطات وأطوار الاستدلالات وأنواع الاستخراجات من الأدلّة وإشارات الأخبار والالتفات إلى الأسرار. نعم من لم يذق حلاوة التحقيق وما شمّ من رائحة التدقيق يعتقد أنّ مثل هؤلاء الأجلّة الذين لهم القدح المعلّى من قداح الفضل كان بعضهم يقلّد بعضا ، وإنّما هو قياس غير جائز ؛ ولنعم ما قيل : « كار پاكان را قياس از خود مگير » كيف! وهم صرّحوا في كتبهم الأصوليّة والفروعيّة بعدم جواز التقليد على ما عرفت فيما تقدم.
وأمّا الثالث : فلأنّ الموافقة في الرأي والدليل ليس تقليدا. وأمّا قولهم : « وتبعه في ذلك غيره » فلا دلالة فيه على التقليد كما لا يظنّ ذلك ذو مسكة ، بل المراد أنّه وافقه في ذلك ولفظة « المتابعة » إنّما هو بواسطة تقدّم زمانيّ بينهما ،
__________________
(١) كذا ولعلها : « يقولها ».
(٢) الغلّ : شدّة العطش.