أقول : القول بأنّ الأسباب الشرعيّة معرّفات من المشهورات التي لم نقف على أصل لها. نعم ، قد يكون في الأسباب الشرعيّة ما هو كاشف عن أمر آخر غير الحكم الّذي قد جعله الشارع سببا له ، كالبيّنة واليد ونحوهما ، فإنّهما سببان للعمل بمقتضاهما ووجوب التعويل عليهما مع كونهما كاشفين عن نفس المقتضى والمدلول ، وأين ذلك من كون الأسباب الشرعيّة معرّفات على وجه الإطلاق؟ وتعدّد الأسباب الشرعيّة ليس إلاّ كتعدّد الأسباب العقليّة ، فكما أنّ ذلك لا يقتضي الكاشفيّة فيها لا يقتضي فيها أيضا.
وأمّا ما أفاده : من أنّه لا يراد من الأسباب في قولهم ... ، ففيه : أنّ المحال هو تعدّد العلّة التامّة ، وتلك الأسباب ليست كذلك ، لرجوعها الى القدر المشترك كما في الأسباب العقليّة. ولا ينافي ذلك كونه أصلا يجوز التخلّف عنه بدليل ، نظرا إلى ظهور اللفظ في العلّية التامّة ؛ مضافا إلى أنّ كلماتهم مشحونة بما يدلّ على خلاف ما أفاده في موارد شتّى ، كما هو غير خفيّ على المتتبّع.
وأمّا قوله : « لا كلام في جواز التداخل فيما كان معرّفا » لما ذكره من الوجه ، ففيه : أنّه لم يعلم فرق في امتناع توارد العلل التامّة على معلول واحد بين أن يكون موجودا ذهنيّا أو خارجيّا ، بل وليس ذلك إلاّ الموجود الخارجي ، وأمّا الموجود الذهني فهو المعلوم دون العلم ، فإنّ وجود العلم في الخارج وإن كان من الامور الذهنيّة إنّما هو بواسطة المعرّف ، وطريق الامتناع واحد ، وهو لزوم خلاف الفرض فيما لم يكف إحداها في الوجود أو تحصيل الحاصل على تقدير الكفاية. وأمّا تعدّد الأدلّة فربّما يحتمل أن يكون لتحصيل مرتبة من الكشف لم يكن قبل ، كما هو المحسوس في الأمارات الظنّية التي تفيد اجتماعها العلم ، وإلاّ فلا بدّ من توجيه ذلك على ما وجّهنا به العلل في الموجودات الخارجيّة.