وأمّا عدم ارتفاع الصورة عند ظهور بطلان أحد الأدلّة فلم يظهر لنا وجه ارتباطه بالمقام. والعجب! أنّه تفطّن بذلك واعتذر عنه بالفرق بين الموجود الذهني والخارجي ، حيث إنّه لا يمكن كون الشيئين في الخارج شيئا واحدا ، بخلاف الموجود الذهني فإنّه يصير ألف موجود ذهني موجودا واحدا ، بمعنى تطابق موجود واحد في الذهن لألف موجود خارجي ، فينتزع من كلّ ألف موجود صورة وهيئة كلّها منطبقة على موجود ذهني واحد.
وفيه : أنّ تعدّد الموجود الذهني إنّما هو بتعدّد نفس الملاحظة والانتزاع. ولا ريب في امتناع تلك الملاحظات كامتناع اتّحاد الموجودات الخارجيّة ، بل ما نحن فيه منها أيضا كما عرفت. وأمّا اتّحاد تلك الصور المنتزعة من أفراد كليّ واحد فعلى تقدير تعدّد الملاحظات يراد به عدم اختلافها مع قطع النظر عن خصوصيّات الوجود الذهني ، إذ لا يرتاب عاقل في التغاير مع ملاحظتها ؛ على أنّ ذلك خلط بين التصوّر والتصديق ، فإنّ الاعتقاد ممّا لا يتصوّر فيه ما ذكره في الصورة الكلّية المتصوّرة ، فإنّه موجود علميّ واحد لا يشوبه شوب التعدّد ، كما هو ظاهر لمن ألقى السمع وهو شهيد.
وبالجملة ، فلم يظهر لنا وجه في صحّة الابتناء المذكور فلا بدّ من التأمّل لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرا.
الرابع : زعم بعضهم (١) جريان النزاع المذكور فيما إذا قال الشارع : « صم يوما وصم يوما » نظرا إلى أنّ الأمر سبب للوجوب فيتعدّد السبب مع وحدة المسبّب. فيمكن أن يقال فيه ما يقال في غيره. والظاهر اختصاص النزاع بما إذا كان الأمران مسبّبين عمّا جعله الشارع سببا أو ينتزع عمّا جعله الشارع
__________________
(١) راجع عوائد الأيّام : ٢٩٦ ، والعناوين ١ : ٢٣٧.