وضعف هذين الوجهين ظاهر وجوابهما واضح ، ولقد أطال الكلام المولى البهبهاني (١) في تزييفهما. والظاهر أنّ إطالة الكلام في بقيّة الأدلّة أحسن منها فيهما ؛ لأنّ الرجوع إلى كتب السلف ليس للعمل بأقوالهم تعبّدا ، بل للاستعانة على فهم مدرك المسألة ، وأيّ نفع أعظم من ذلك؟ وأمّا لزوم العسر والحرج على تقدير الاقتصار على فتوى الأحياء فمنه (٢) في غاية الوضوح ، وعلى فرض لزومهما أحيانا لا يقتضي فتح باب تقليد الأموات مطلقا بل يتقدّر بقدره كما هو الشأن في سائر الأحكام والتكاليف.
ومنها : الاستصحاب ويقرر : تارة بالنسبة إلى حال الفتوى ، واخرى بالنسبة إلى حال المفتي ، وثالثة بالنسبة إلى حال المستفتي لأنّ المجتهد في حال حياته كانت فتواه معتبرة وجائز التقليد فيها ، وكان هو ممّن يجوّز تقليده والأخذ منه ، وكان المقلّد ممن يصح له الاعتماد على قوله في عباداته ومعاملاته ، ويقتضي الاستصحاب بقاء الأحكام الثلاثة كلها إلى حال الموت ؛ للشك في ارتفاعها بالموت بعد القطع بثبوتها حال الحياة.
وهذه الاستصحابات يرجع بعضها إلى بعض يفيد كلّ واحد مفاد الباقي ؛ لأنّ الاستصحاب الثاني الراجع إلى حال المفتي ربما توهّم أنّه لا يفيد كون المفتي ممّن لا يجوز العمل بقوله إلاّ في حقّ من عاصره ؛ لامتناع تحقّق الجواز في حقّ المعدومين ، فيمتنع الاستصحاب لتعدّد الموضوع.
وفيه : أنّ أهليّة المفتي لجواز العمل بفتواه صفة ثابتة له ولو لم يوجد عامل فعلا فإنّه ينحلّ إلى قضيّة شرطيّة وهي : « من دخل في عداد المكلّفين
__________________
(١) انظر الرسائل الفقهية : ٢٣ ـ ٢٤.
(٢) كذا ، ولعلّه : فضعفه.