وهذه الأخبار معظم ما يتمسّك بإطلاقها على جواز تقليد الميّت ، وبقيّة الوجوه لشدّة ضعفها ليس ممّا يصلح لتوهّم الخروج عن أصالة حرمة التقليد بسببها قوة (١) الوجه العقلي الذي ستسمع.
والإنصاف : أنّها غير ناهضة في إثبات المدّعى ؛ إذ قد عرفت في الجواب عن الآيات : أنّ المقصود المتعارف من الأمر بالرجوع إلى الرواة والمحدّثين والعلماء والموثّقين ليس إلاّ بلوغ الحقّ إلى الجاهل وعلمه بما كان في جهل منه ، وأمّا إنشاء حكم ثانويّ تعبديّ ، وهو العمل بقولهم من دون حصول العلم والاعتقاد ، فهو بمراحل عن ذلك ، فلا دلالة لها على شرعيّة أصل التقليد فضلا عن تقليد الميّت ، ولذا قال صاحب المعالم : إنّ المعتمد من أدلّة التقليد إنّما هو الإجماع والضرورة ، وهما قاصران عن الدلالة على جواز تقليد الميّت (٢) ، وقد حقّقنا هذا المعنى في مسألة أخبار الآحاد ، ومما يؤكّد ما قلنا : من كون المقصود منها تعليم الجهّال بالأحكام الشرعيّة زيادة على ما هو الغالب المتعارف في أمثال هذه الخطابات اشتمال بعض الروايات الخاصّة ، مثل ما ورد في حقّ يونس (٣) وزكريا بن آدم (٤) على لفظ « الثقة » و « الأمانة » ؛ فانّ اعتبار وصف الوثاقة والأمانة في المسئول عنه والمأخوذ منه ـ كما يقتضيه سوق الرواية ولو بملاحظة سؤال عبد العزيز الراوي عن كون يونس ثقة ليؤخذ عنه معالم الدين ، لا عن أصل جواز الأخذ ـ ممّا يشعر أو يدلّ على أنّ المقصود من
__________________
(١) في العبارة خلل.
(٢) معالم الدين : ٢٤٧ ـ ٢٤٨ ، نقلا بالمعنى.
(٣) مرّ في الصفحة : ٦٠٣.
(٤) مرّ في الصفحة : ٦٠٣.