وهو سهو بيّن ؛ لأنّ متابعة المقلّد للمجتهد ليست إلاّ كمتابعة المجتهد للراوي في الرواية ، فالفتوى والرواية طريقان للواقع الذي هو المطلوب من انجعالها طريقا ، فإذا تعارض الفتويان اشتبه الطريق والحجّية بغيره ، وقضيّته القياس حينئذ على ما قدّمناه في التعادل والتراجيح عند تعارض الطريقين هو التوقف ، لكن قام الإجماع على بطلانه فانحصر المناص في مطالبة الترجيح ثمّ الأخذ ولو احتمالا ، وإلاّ فالتخيير.
ثمّ اعلم : أنّ هذا الجواب عن الأصل المزبور إنّما يناسب مذهب من يعتمد على كلّ ظنّ في مقام ترجيح أحد الاحتمالين ولو لم يعتمد عليه في مقام ترجيح أحد الخبرين في التخيير الشرعي ، فمن أبى عن ذلك فليس في محلّه ، فالجواب عنه : أنّ البناء على التخيير لأصالة البراءة إنّما يتّجه عند الشك في ثبوت التكليف ، وأمّا إذا كان الشك في ارتفاع التكليف الثابت باعتبار الشك في طروّ التخصيص على دليل ذلك التكليف انعكس الأصل فيقتضي التعيين ، والكلام في وجوب تقليد الأعلم عينا أو تخييرا كلام في قدر الخارج عن تحت ما دلّ على عدم جواز العمل بما وراء العلم ، فالقدر المتيقّن الذي يجب الاقتصار عليه ليس إلاّ العمل بقول الأعلم وهذا واضح.
وأمّا الأصل الثالث فقد ظهر ضعفه أيضا ممّا بيّنا ؛ لأنّ الشكّ في ترجيح إحدى الحجّتين المتعارضتين على الاخرى شكّ في حجّية المرجع فعلا ، وأصالة عدم الحجّية حينئذ محكّمة بعد عدم قيام دليل عليها من نقل أو عقل.
أمّا النقل ؛ فلأنّ الدليل الدالّ على حجّية العالم لا يمكن تناله لصورة التعارض ؛ للقطع بمخالفة أحد المتعارضين للواقع وتعيين أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ، فلولا قيام الاتّفاق على بطلان الطرح والتوقّف لكان مقتضى القاعدة ذلك ، لكن بعد ملاحظة ذلك الاتّفاق فالعقل قاض بالتخيير.