ومنها ـ يعني من أدلة المثبتين ـ : أنّه إذا لم يكن المفضول قابلا للتقليد كان مساويا للجاهل ، وقد دلّ الاعتبار والآثار في غير موضع من الكتاب على نفي الاستواء ، واجيب بأنّها بالدلالة على العكس أولى ؛ لأنّ المفضول جاهل في مقابل الأفضل في مقدار من العلم ، فلو جاز تقليده كما يجوز تقليد الأفضل ، كانا متساويين.
ولا يرد : أنّ المراد من قوله تعالى : ( ... هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ... )(١) نفي مساواة العالم بكلّ شيء والجاهل عن كلّ شيء ، فلا ينفي مساواة العالم بالكلّ والجاهل بالبعض ؛ لأنّ سلب العلم بالكل تارة يتحقّق في ضمن السلب الكلّي واخرى في ضمن السلب الجزئي ، فالمراد بقوله ( لا يَعْلَمُونَ ) عدم العلم بما يعلمه العالمون بالكلّ سواء حصل العلم بالبعض أيضا أم لا ، مع أنّ العلم المطلق والجهل المطلق ممّا لا يكاد يوجد في شخصين من المكلّفين ، وتنزيل الآية على نفي المساواة بينهما تنزيل على الفرض المعدوم والنادر ، فالظاهر إرادة العلم والجهل الإضافيين ، وعليه يتمّ الجواب.
لكن الإنصاف عدم تماميّة شيء من الاستدلالين ؛ لأنّ الظاهر كون المراد بنفي السماوات نفيها من جميع الجهات ؛ لا من كلّ جهة. فلا يلزم تفاوت العالم والجاهل في كلّ شيء ، بل يكفي اختلافهما في بعض الأشياء كالفضل والمرتبة أو أكثرها ، فليتدبّر في المقام.
ومنها : ما أشار إليه صاحب الفصول (٢) : من أنّ تقليد المفضول لو لم يكن جائزا لما جاز لمعاصري الإمام عليهالسلام تقليد أصحابه ، بل كان عليهم الأخذ منه عليهالسلام
__________________
(١) الزمر : ٩.
(٢) انظر الفصول : ٤٢٤.