وثانيا : أنّ المراد بالحكم في الرواية ليس ما هو المصطلح عليه عند الفقهاء أعني القضاء ، بل الظاهر أنّ المراد به المعنى اللغوي المتناول للفتوى مثل قوله تعالى في غير موضع : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ )(١) الآية. يدلّ على ذلك ـ زيادة على عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة في لفظ « الحكم » ـ : قول الراوي : « وكلاهما اختلفا في حديثكم » فانّ المتبادر كونه بيانا لاختلاف الحكم ، ومن الوضح : أنّ الاختلاف في نفس القضاء ليس اختلافا في الحديث. نعم الاختلاف في فتوى رواة عصر الإمام اختلاف في الحديث ؛ نظرا إلى اشتراك الفتاوى ورواياتهم في الاستناد إلى السماع عن الإمام عليهالسلام عموما أو خصوصا ، فيكون الاختلاف في الفتوى اختلافا في الحديث ، وكذا يدلّ عليه قول الإمام عليهالسلام : « الحكم ما حكم به أصدقهما في الحديث » فإنّ صدق الحديث إنّما يناسب ترجيح الفتوى التي هي بمنزلة الحديث ، دون القضاء. ودلالة في منازعة المتحاكمين على كون المراد به القضاء ؛ لأنّ المتنازعين ربما ينشأ نزاعهما من جهة الاشتباه في الحكم المشروع ، فيرجعان إلى من يحكم بينهما بالفتوى دون القضاء. والظاهر أنّ نزاع الرجلين كان من هذه الجهة ، لا من جهة الاختلاف في الموضوع ومرجعه إلى الادّعاء والإنكار ، وإلاّ لما كان لاختيار كلّ منهما حكما وجه ؛ فإنّ فصل الخصومة حينئذ يحصل من حكم واحد.
واعلم أنّ جمع الحكمين والحكّام في مسألة أو نزاع يتصوّر على وجوه :
الأوّل : أن يكون المقصود من اجتماعهم صدور الحكم منهم أجمع.
والثاني : أن يكون المقصود صدور الحكم من أحدهم ، ويكون المقصود من حضور الباقين إعانتهم للحاكم في مقدّمات الحكم لئلاّ يخطأ.
والثالث : أن يكون الحكم مقصود الصدور من بعض ، ومن الباقين إنفاذ
__________________
(١) سورة المائدة : ٤٤ و ٤٥ و ٤٧.