وثانيا : اشتمال جملة من الأخبار الخاصة التي هي عمدة أدلة شرعيّة التقليد على قدح المفتي بالوثاقة وصدق الحديث ، وهذا يفصح عن كون اعتبار الفتوى من جهة إفادتها الظنّ نوعا.
والحاصل : أنّه لا إشكال في أنّ بناء التقليد ليس على السببية المحضة والتعبّد المحض ، وما ذكروه : من عدم ملاحظة مراتب الظنون ، إنّما يتّجه في الامور التعبّدية المحضة الراجعة إلى السببية المطلقة ، وأمّا في الطرق المعتبرة من حيث إفادتها الظنّ نوعا لا شخصا ؛ فلا ضرورة قضاء بداهة العقول بمراعاة أقوى الأمارتين التي حجّيتهما من جهة الظن النوعي.
وبالجملة : ليس الأمر كما توهّمه الفاضل القمّي رحمهالله من كون التقليد أحد الظنون المطلقة الشخصيّة حتّى يتّجه الأخذ بقول الميّت والمفضول إذا كان الظن الحاصل منه أقوى من الحيّ الأعلم ، ولا كما زعمه المانعون عن الكبرى : من كونه تعبّدا محضا حتّى ينهدم أساس الأخذ بأقوى الأقوال نوعا ؛ بل أمر بين الأمرين ، وقصد بين الإفراط والتفريط. والله العالم.
وربما استدلّ على وجوب تقليد الأعلم بأمور أخر زيادة عمّا ذكرنا :
منها : ما عن كشف اللثام وشرح الزبدة للفاضل الصالح (١) : من أنّ تقليد المفضول مع وجود الأفضل يستلزم ترجيح المرجوح على الراجح. وهذا في الحقيقة دليل من الأدلّة المستدل بها على كبرى القياس المزبور ، ويحتاج في تقريبه إلى فرض سقوط الظنون الخارجيّة التي تحصل للمقلد عن الاعتبار ، كما هو الحقّ ، وإلاّ فمن الواضح عدم جريانه إذا تساوى الظنّان أو كان الظنّ الحاصل
__________________
(١) حكاه عنهما في مفاتيح الاصول : ٦٢٦ ، وانظر كشف اللثام ( ط. الحجريّة ) ٢ : ٣٢٠. وشرح الزبدة ( المخطوط ) : ٢٦١.