طلب الصحة لا طلب السلامة ، قال : ونحن انما نسوغ شربه في طلب السلامة ، بحيث لو لم يشربه أو يتداو به حصل التلف ، أما في طلب العافية فلا.
وكلامه هذا وما نقلنا عنه سابقا صريح في أن جواز شربه والتداوي به مشروط بشرطين : خوف التلف من المرض ، والعلم والظن المتاخم له بأن المرض أو خوف التلف منه يندفع به.
وذلك يحصل : اما بالتجربة ، أو القياس المفيد له ، فكل طبيب لم يحصله لا يجوز له أن يداوي المريض به ، ولا للمريض أن ينقاد له ويقبل منه ، فلو اتفقا وفعلا والحالة هذه أثما ، واستحق المريض الشارب الحد ، والطبيب المداوي له بذلك التعزير على فعله المحرم.
فبالله عليك أيها الطبيب المداوي أن لا تقدم عليه من غير علم حاصل لك بأحد الطريقين فتهلك وتهلك.
هذا وصرح صاحب الدروس فيه بجواز استعمال الخمر للضرورة مطلقا حتى للدواء كالترياق والاكتحال ، لعموم الآية الدالة على جواز تناول المضطر اليه ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (١) وحمل الاخبار الدالة على المنع من استعمالها مطلقا حتى الاكتحال على الاختيار ، والفرق بين الحملين واضح.
وما اختاره العلامة هو الاقوى ، لان حفظ النفس من التلف واجب عقلا ونقلا ، وتركه محرم وهو أغلظ تحريما ، فاذا تعارض التحريمان وجب ترجيح الاخف وترك الاقوى.
وأيضا فان اباحة شربها حال التقية اذا حصل خوف التلف من العدد بتركه يستلزم اباحة شربها والتداوي بها اذا حصل خوف التلف من المرض بتركه ، والاول لا يجوز تركه فكذا الثاني.
__________________
(١) سورة البقرة : ١٧٣.