والتروي والاهتمام.
ولذلك قال بعض المحققين : وجود المفتي من ضروريات الدين وتمام شرائط التكليف ، فلا يجوز خلو الزمان عنه ، ويؤيد ما قاله ما ورد في الخبر من أن الارض لا تخلو من عالم.
هكذا يخطر بالبال والله أعلم بحقيقة الحال.
وأما ما أفدت من أن مقبولة عمر بن حنظلة مختصة بالحكومات والمعاملات ولا تجري في العبادات والعقودات. وقلت الاول من سنخ الانشاء ووظيفة للحاكم والقاضي ، والثاني من مقولة الخبر ووظيفة للمجتهد والمفتي.
فهذا الحديث بهذا الوجه على ما أفدت في مجلس مناظرتك دليل للاخباري وليس بدليل للمجتهد والمفتي ، فليس الامر على ما أفدت ، لان لفظ الحكم المذكور في هذا الحديث ليس بمعنى القضاء والابرام فقط المعتبرين من جانب الحاكم والقاضي ، حتى يلزم منه اختصاصه بالحكومات فحسب.
بل بالمعنى الاعم منهما الشامل لهما وللاعلام والاخبار المأخوذين من طرف المجتهد والمفتي أيضا ، كما يدل عليه قوله عليهالسلام فيما بعد في هذا الحديث « ينظر فيما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة أخذ به ».
فان ذلك صريح في أن الحكم المذكور في هذا الحديث ليس محمولا على المعنى الذي فهمت وأفدت ، اذ حكم الكتاب والسنة ليس بمنحصر فيه ، كما لا يخفى على من له أدنى فطانة وأخذ فطانته بيده اليمنى.
ويدل على ما قلناه مضافا الى ذلك قوله تعالى « وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ » (١) فان ما أنزل الله ليس منحصرا في الحكم بمعنى القضاء والالزام.
__________________
(١) سورة المائدة : ٤٤.