بما يظنون أنه حق لديهم لخرجت هذه الآية.
أقول هذا وأستغفر الله عن أن يكون لها معنى محصلا.
وأيضا يدل على ذلك قوله عزوجل « فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ » (١) الاية.
وجه الدلالة من هذه الآية على قياس سابقتها ظاهر ، اذ المتفقهة اذا وجب عليهم الانذار ، وجب عليهم أن يتبعوا ظنونهم ، لانهم لا ينذرون قومهم الا بما ظنوا أنه حق عندهم ووجب عليهم أن يعلموهم به.
ومما يؤيده ما نحن فيه بل يدل عليه صريحا قوله تعالى « وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا » (٢) فان الذي جاهد في الله تعالى وهو تعالى هداه سبيله يجب عليه متابعتها ، والا فما فائدة المجاهدة وما ثمرة الامتنان.
ولا ريب في أن من تلك السبل سبيل معرفة المسائل الفقهية الدينية ، بل هي أول المبادي للسبل الواصلة الى الله تعالى ، كما لا يخفى. وان كانت الطرق الواصلة الى حضرة الخالق بقدر أنفاس الخلائق.
وهلا نظرت الى أن المجتهد لو لم يجب عليه اتباع ظنه للزم تعطل الاحكام واندراس شريعة سيد الانام عليه وآله الصلاة والسلام ، واللازم باطل بالاتفاق ، فالملزوم مثله.
بيان الملازمة : ان المقلد قصر وعزل عقله عن التصرف في الاحكام الحادثة المتجددة في الايام على ما اتفقت عليه عقول كافة الناس من أولي الاحلام.
فلو لم يجب على المجتهد استنباط الاحكام واتباع ما يستنبطه منها وايصاله الى الانام ، للزم منه ما قلناه من الكلام في ذلك المقام ، وهو ظاهر بشرط الانصاف
__________________
(١) سورة التوبة : ١٢٢.
(٢) سورة العنكبوت : ٦٩.