أحدهما : أن يريد بالعالم : المجتهد ، فإنّ المجتهدين أبواب مَن سواهم ووسائطهم إلى المعصوم ، وهم القرى الظاهرة التي هي بين الناس وبين القرى التي بارك الله فيها (١) ، والقرينة : وصفه بالحياة ، والظهور في الأوّل ، وقوله : « فقال خذوه كاملاً » فإنّه ظاهر في الحسّي الشفاهي ، فيكون دليلاً على القول بعدم جواز خلوّ زمن من أزمان التكليف من المجتهد ، كما هو المشهور بين العصابة قديماً وحادثاً ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، بل هو إجماع مشهوريّ ، وخلاف بعض متأخّري المتأخّرين (٢) شاذّ تردّه الأدلّة عقلاً ونقلاً.
ولفظ الخبر الثاني رواه في ( البحار ) (٣) بعدّة طرق تنيف على عشرة من عدّة طرق تزيد على سبعة في باب واحد.
ومثل الحديث الأوّل ما رواه المجلسيّ : من ( كمال الدين وتمام النعمة ) بسنده إلى أبي حمزة الثماليّ : قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام : يقول : « لن تخلو الأرض إلّا وفيها منّا رجل يعرف الحقّ فإذا زاد الناس فيه قال : قد زادوا. وإذا نقصوا منه قال : قد نقصوا. وإذا جاؤوا به صدّقهم ، ولو لم يكن ذلك كذلك لم يعرف الحقّ من الباطل » (٤) في احتماله الوجهين كما هو ظاهر.
الثاني : أن يراد بالعالم : المعصوم ، وبالناس في الأوّل والمؤمنين في الثاني : خواصّ المؤمنين ، وهم العلماء العاملون المجتهدون ، فإنّ الزيادة والنقصان إنّما تجري منهم ، والإمام هو الذي خالف بينهم ؛ ليسلموا. ولكن لا بدّ في الأرض من قائل بالحقّ عامل به غير معصوم كما دلّ عليه النصّ (٥) والبرهان ، وإطلاق المؤمنين على العلماء العاملين منهم خاصّة غير عزيز في النصّ.
__________________
(١) إشارة إلى قوله تعالى : ( وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً ). سبأ : ١٨. انظر : الغيبة ( الطوسيّ ) : ٣٤٥ / ٢٩٥ ، تأويل الآيات الظاهرة : ٤٦١ ـ ٤٦٢.
(٢) قوانين الأُصول : ٤٢٩.
(٣) بحار الأنوار ٢٣ : ٢٤ ـ ٢٧.
(٤) كمال الدين : ٢٢٣ / ١٢ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٣٩ / ٦٩.
(٥) كمال الدين : ١٦١ / ٢٠ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٣٣ / ٥٤.