ولما كانت الأبصار لا تدرك من النور إلّا ضياءَه وظاهره ، وكذلك البصائر لا تدرك نور ولاية الرسول ، وإنّما تدرك ضوءها وظاهرها وهو ضياء الرسالة. فحقيقة النور على الأبصار عمى ؛ ولذا أقرّ أكثرهم بالرسالة ، وأنكر ولاية الوليّ ، فآمنوا بالظاهر وأنكروا الباطن الظاهر بالظاهر ، وذلك لا يغنيهم شيئاً.
وفي هذا الخبر بعد المنقول بلا فصل : « وقوله ( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ ) (١) وقوله عزوجل ( ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ ) (٢). يعني : قبض محمَّد صلىاللهعليهوآله : ، فظهرت الظلمة فلم يبصروا (٣) ، أي عميت بصائرهم بدولتهم عن درك الولاية ، وغيره إشارة إلى ذلك. وإنّما عميت بصائرهم عن درك الولاية لأنّ نور البصائر (٤) مكتسب من نور العقل بمقتضى المقابلة وبقدرها. وهم أُمروا باستقباله والاقتباس من نوره ، فاستكبروا واستدبروه ، فاستقبلوا ظلمة الجهل ، فمالهم من نور. فظهر نسبة النور إلى قمر الولاية والضوء لشمسها ، وإن الكلّ نور شمس الوجود وضياؤها ، هذا لباطنها وهذا صفة ظاهرها.
بقي الكلام في نسبة الضياء إلى شمس الآفاق ، والنور لقمرها ، مع أن نوره من نورها ، كما هو مبرهن عند الحكماء ، فقال النيشابوري : ( الضياء أقوى من النور ) (٥).
وقال القاضي : ( النور أعمّ من الضياء يعني : أن النور يعمّ ما هو أضعف من الضياء وقيل : ما بالذات ضوء ، وما بالعرض نور ) (٦).
وفي ( مجمع البحرين ) : ( الضياء ما كان من ذات الشيء ، والنور ما كان مكتسباً ) (٧).
وفي موضع آخر : ( الضياء أقوى من النور ) (٨).
__________________
(١) يس : ٣٧.
(٢) البقرة : ١٧.
(٣) الكافي ٨ : ٣١١ / ٧٤ ، بحار الأنوار : ٢٤ : ٣٧١.
(٤) في المخطوط بعده : ( من ).
(٥) تفسير غرائب القرآن ٣ : ٥٦٠.
(٦) تفسير البيضاوي ١ : ٤٢٨.
(٧) مجمع البحرين ١ : ٢٧٢ ضوء.
(٨) مجمع البحرين ٣ : ٥٠٤ نور.