وإصرارهم عليه ، وهذا لا ينافي التكليف والاختيار ، وأن بدْأه من عالم الذرّ. ومثّل لذلك بأمثلة كثيرة منها إخبار الرسول صلىاللهعليهوآله : عمّن قتل يوم بدر من أهل مكّة أنهم لا يُسلِمون ، أي علم الله منهم أنهم لا يختارون الإسلام ، بل يصرّون على الكفر.
وحاصل الثاني أن المراد بنفي الاستطاعة : صعوبة الانتقال من خلقه المتّصف به من الإيمان والكفر ، لا التعذّر. ومثّل له أيضاً بأمثلة كثيرة منها قوله صلىاللهعليهوآله : « يا عليّ : ثلاث لا يطيقها أحد من هذه الأُمّة : المواساة للأخ في ماله ، وإنصاف الناس من نفسه ، وذكْر الله على كلّ حال ».
ومنها قول أمير المؤمنين سلام الله عليه ـ : « ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، ومن طعمه بقرصيه. ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ».
وحاصل الثالث أن أحاديث أهل البيت سلام الله عليهم ـ : تحذو حذو القرآن ، ففيها المحكم والمتشابه ، والخاصّ والعامّ ، والناسخ والمنسوخ ، والمجمل والمفصّل ، وغير ذلك. ولا يحلّ لأحد أن يكذّب الحديث ويردّه إذا لم يستبن له معناه ، بل يسلمه ويردّه إلى أهله (١).
قلت : وهناك جواب آخر هو أن كلّا منهما بعد ذلك بكونه نفسه بل حقيقته من مادّة اختياره هناك باختياره ؛ فالمؤمن من مادّة العقل والنور والإيمان ، والكافر من أضدادها ، فكلّ منهما اختار تكوينه من مادّة ، فليس في حكم الله جبر ، حتّى في الخلق ، فلا يخلق شيئاً إلّا بعد طلبه الخلق وقبوله له باختياره.
وجواب آخر هو أن المؤمن لا يستطيع أي لا يختار ولا يطلب أن يكون على غير ما ظهر له بالبرهان الحقّ المحكم المطابق لأصل فطرة الوجود ، فإنّه قد قام عنده البرهان بالسبل الثلاثة على ما اختاره. فعدم استطاعته تشبه عدم إمكان صدور المعصية من المعصوم عليهالسلام ؛ لما علمه من حقائق الخلق على اليقين ، مع أنه قادر على فعلها البتّة ؛ لأنه أكمل المكلّفين بالاختيار ، واختياره أكمل الاختيار ، كما
__________________
(١) مختصر بصائر الدرجات : ١٥١ ـ ١٥٤ ، باختلاف.