ويمكن أن يكون بعض وجوه قوله عزّ اسمه ( ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ) (١).
الثالث : أو معنى نفي علمهم بها : اشتراط البداء فيها ، وإخبار بأنّها ليست من المحتوم.
الرابع : أو أنّهم لا يعلمونها بالجزئيّة الخاصّة الشخصيّة من كلّ وجه ؛ لأن ذلك لا يكون إلّا بعد الوجود الخارجي الجزئيّ ؛ إذ لا يكون علم بأنّ هذا الشيء وقع في الزمان خارج الحسّ إلّا بعد كونه كذلك.
الخامس : أو أنّهم لا يعلمونها باعتبار مقام ( فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ) (٢) ، ويعلمونها باعتبار مقام ( إِلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) (٣).
وهذه الوجوه جاريات في جميع الجزئيات.
وإنّما خصّت الخمسة بالذكر ؛ لأنّ أربعة منها هي أركان الوجود وموادّه : الخلق ، والرزق ، والحياة ، والموت ( خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) (٤).
فإنزال الغيث إشارة إلى مادّة الحياة ؛ لأنّ منه مدد حياة المركّبات ؛ لأنّ به يحيي الله الأرض بعد موتها.
وعلم ( ما فِي الْأَرْحامِ ) إشارة إلى الخلق.
و ( ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً ) إشارة إلى الرزق.
( وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) من أراضي الآفاق والأنفس والطبائع ؛ لأنّها فطرت على الاختيار [ وكمال تحقّقه حين الوقوع (٥) ].
فهذه الأربع جمعت كلّيّات [ مواد (٦) ] العالم من الكلّيّ والجزئيّ.
__________________
(١) الشورى : ٥٢.
(٢) الجن : ٢٦.
(٣) الجن : ٢٧.
(٤) الروم : ٤٠.
(٥) هذه الإضافة من موضوع ( جمع وبيان ) اللاحق ، وهو في المطلب نفسه.
(٦) في المخطوط : ( موارد ).