من تلقاء أنفسهم. وله وجه آخر هو أن يراد بالغيب : رتبة الوجوب.
ومنها أنّهم لا يعلمون ذلك ؛ [ لأنه (١) ] من المحتوم قبل أن يصل إلى رتبة الإمضاء لسرّ البداء ، ومنه سرّ خوفهم عليهمالسلام كخوف موسى عليهالسلام من العصا ، فإنّ البداء يجري في كلّ رتبة قبل إمضائها من جميع المراتب السبع ، فالبداء يجري في القضاء ما دام الشيء مراداً ، وفي القدر ما دام مقضياً ، وهكذا. وهذا لا ينافي علمهم بما كان وما يكون ، فإنّهم يعلمون الشيء وشروطه وعلله وإن كان ذلك مخزوناً في ينبوع البداء ، وهو باطن المشيئة ومقام منقطع الصفات.
ومنها أنّهم لا يعلمونها بمقام الإذن الجزئي من كلّ وجه ، أي لم يؤذن لهم بعد باعتبار عاشرة الوقوع مثلاً ، فإنّ كلّ واحدة من السبع في نفسها درج ورتب حتّى الإمضاء ، ونهايته نهاية كمال العلم. وهذا لا ينافي علمهم بها من كلّ وجه بمقام آخر.
ومنها أنّهم لا يعلمونها باعتبار مقام ( فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ) (٢) ويعلمونها باعتبار مقام ( إِلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) (٣) الآية.
والوجوه في هذه كثيرة.
وهذا كلّه عام لجميع جزئيّات العالم وكلّيّاته.
وإنّما خصّت هذه الخمسة بالذكر ؛ لأنّ أربعة منها هي أركان الوجود وموادّه : الخلق ، والرزق ، والحياة ، والموت ( خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) (٤).
فإنزال الغيث إشارة إلى الإحياء ؛ لأنّ الله تعالى يحيي به الأرض بعد موتها فهو مادّة الحياة.
وعلم ( ما فِي الْأَرْحامِ ) إشارة إلى الخلق ، لأنه تعالى : ( يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ ) (٥).
__________________
(١) في المخطوط : ( أنه ).
(٢) الجنّ : ٢٦.
(٣) الجن : ٢٧.
(٤) الروم : ٤٠.
(٥) الزمر : ٦.