ويمكن أن يراد بها : أرض الجنّة [ التي (١) ] أرضها الكرسي ، وسقفها عرش الرحمن. وأن يراد بها : الأرض التي يحشرون فيها ؛ فإنّ لكلّ أرض سكّاناً تناسبها. وعلى هذا كلّه فسكّان هذه الأرض المذكورة يتبوّأون من ثمار الجنّة بلا إشكال ، والكتاب والسنة على هذا كثير ، والاعتبار محكم.
ومنها أن هذا القول صدر منهم حين ترقّيهم في درجات العلم والعمل ، ويراد بها : صفة الذكرى ، فالقرآن تذكرة وذكر وذكرى ، واللبيب يحسّ من نفسه إذا أدرك شيئاً من المعارف أن المدرك الوارد على قلبه من وراء حجب الغيوب كأنّه شيء مخزون في نفسه قد نسيه وذهل عنه ثمّ ذكره واستحضره. فيراد بـ ( من قبل ) أن العالم لا يدرك إلّا فيما وسعه قوّته (٢) وقابليّته ، واستجنّ بالقوّة في طبيعته وقابليّته ونفسه وعقله ، فهو اعتراف لله تعالى بكمال العدل والعبوديّة له ، فهو شكر ، وهو من جملة ( آخِرُ دَعْواهُمْ ) (٣) لتطابق الشكر والحمد حينئذٍ ، وترادفهما ، و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) وما تستطيعه وتقبله اختياراً ؛ إيجاداً وتكليفاً ، وحياة وموتاً ورزقاً.
أو يراد به المراتب السابقة على تلك الحالة من مراتب وجوده ، كرتبة عالم الذرّ ، ومقام أخذ العهد والميثاق الأوّل (٤) ، وامتثال الأمر بالإقبال والإدبار (٥). وهم في أطوارهم لا يتعدّونها أبداً ، فتعدّيها ظلم.
ويمكن أن يراد بـ ( ما رُزقوا منْ قبلُ ) : ثمار الدنيا وأرزاقها الحلال ؛ لأنّ جميع ما في عالم الشهادة والأجسام له حقائق وأرواح وأشباح وعلل ووجود في عالم العقول والغيب بوجه أعلى.
فأمّا قوله ( مُتَشابِهاً ) فيحتمل معنيين :
__________________
(١) في المخطوط : ( و ).
(٢) في المخطوط : ( وقوّته ) بدل : ( قوّته ).
(٣) يونس : ١٠.
(٤) إشارة إلى قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) الأعراف : ١٧٢.
(٥) انظر الكافي : ١ : ١٠ / ١ ، و ١ : ٢٠ ـ ٢١ / ١٤ ، و ١ : ٢٦ / ٢٦ ، و ١ : ٢٧ ـ ٢٨ / ٣٢.