الجنّ والإنس واستمرار دولته ، وكذا النصارى وعبدة الأوثان على تباين أصنافهم ، وتيسير أسباب الغلبة والنصر لهم في أكثر المعمورة كما هو مشاهد محسوس. فإذا أمكن بل وجد إمهال الله تعالى لمثل فرعون : ونمرود : وأضرابهم من عتاة الأُمم السالفة المئات من السنين بل الأُلوف كما هو معلوم يقيناً بالاستفاضة.
ولمثل إبليس إلى يوم الوقت المعلوم مع ظهور الغلبة وتيسير أسباب النصر ، بل ولمثل أهل الضلال من هذه [ الأُمّة (١) ] ، ولمثل قتلة الرسل ولمن سباهم وشرّدهم. وما جرى على ذرّيّة محمَّد صلىاللهعليهوآله : معلوم بالضرورة.
فإذا جاز أن يمهل مثل هؤلاء المذكورين طرفة عين لأمرٍ هو بالغه ، وحكمة هو أعلم بها ، وتكميلاً للحجّة البالغة ، وتحقيقاً لكمال اختيار المكلّفين وغير ذلك ، فلِمَ لا يجوز أن يمهل راصد الخلافة برهة من الزمان ؛ ليستنطق صامت الإمكان وتبلغ الحجّة ويستحكم البرهان ، ويحيا من حيّ عن بيّنة ، ويهلك من هلك عن بيّنة ، ويكمل الاختيار ويظهر الاختبار ، كما هو مقتضى ذلّ العبوديّة ورحمة المعبود وغير ذلك؟
الرابع : أن دعواه لا يتم إلّا بإثبات أن من سوى عليّ عليهالسلام : وخاصّة بنيه عليهمالسلام يقولون عن الله ويأتون بما يدلّ على صدق دعواهم من الكرامات والمعاجز ؛ ليكون قولهم عن الله ورسوله بيقين ، وبأنّ علياً عليهالسلام : وخاصّة بنيه عليهمالسلام لا تكون لهم العاقبة ، وليسوا من ورثة الأرض بيقين. وهذا باطل بيقين ؛ إذ ليس له عليه سلطان مبين ، وليس أحد يدّعي ذلك من جميع المكلّفين فضلاً عن أن يقيم عليه شبهة فضلاً عن البرهان.
نعم ، أطبقت الأُمّة على أن عليّاً عليهالسلام : وخواصّ بنيه عليهمالسلام من خاصّة الله وخالصته من خلقه ، ومن سادات الصالحين الذين هم شهداء الله ، وأولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وأنّهم سفينة النجاة ، وباب حطّة ، والنجوم التي يُهتدى بها ، وهي الأمان والثقل الذي لا يفارق القرآن بوجه ، وغير ذلك ممّا لا يحصى من خواصّهم العليّة ومزاياهم الجليّة ، فهم الذين يورّثهم الأرض بطريق أولى من جميع من سواهم.
__________________
(١) في المخطوط : ( الإمامة ).