وهذا المفتري وأضرابه يعتقدون في الرافضة أنّهم يسبّون أولياء الله وخلفاء رسوله ؛ فإذن على هذا يجب في حكمة الله استئصالهم ، وإذا مهّل الله لهم وأمدّهم باشتهار الذكر والنصر ، فإذن هم الفرقة الناجية المحقّة.
السابع : (١) أنه إن أراد بالدولة : العزّ (٢) الدنيوي ، وباستمراره : استمراره برهة ما معلومة أو غير معيّنة ، فلا خفاء ولا ريب في ثبوت ذلك لمن ثبت كفره وعتوّه على الله بالضرورة من الدين والتواتر المحكم ، كفرعون : ونمرود : وإبليس : وغيرهم من الفراعنة ؛ لأسباب اقتضتها حكمة الحكيم القادر العليم ، فأمهلهم وأملى لهم ، لتكمل الحجّة ويتمّ الاختيار ، ويظهر الاختبارُ كامنَ ما في النفوس. فثبوت ذلك لهم لا يدلّ على [ حقيّة (٣) ] الدعوى ولا عدمه على بطلانها بضرب من ضروب الدلالات ، بل الوجدان يشهد بخلافه.
وإن أراد العزّ الإلهيّ والدولة الربّانيّة ، فعدم ظهور صاحبها للأعين الحسّيّة لا ينافي ثبوته له في الواقع ، كما هو معلوم من سير الأنبياء والرسل عليهمالسلام والأولياء حتّى محمَّد صلىاللهعليهوآله : فإنّهم يدورون في جميع أفعالهم وأقوالهم وأحوالهم وحركاتهم وسكناتهم مطلقاً على مشيئة الله تعالى وحكمته ( عِبادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (٤) في جميع أحوالهم مطلقاً.
فلو كان صبرهم على أذى الأعداء ينافي عزّهم ونصرهم الإلهيّ الحقّيّ لكان ما فعل بهم الأعداء من القتل وغيره ينافي قدرة القادر العليم بذاته ، بل ولكان كفر من كفر ، بل ومعصيةُ من عصى مع إمهال الله له ، كما هو بالوجدان ينافي قدرة الله وعزّه.
فإذن صبر أوليائه على الأذى وعلى مخالفة من خالف أمرهم ، وخالف أمر الله لا يدلّ على ذلّهم ولا على عجزهم عن قهر الأعداء واستئصالهم ، بل يدلّ على أنّهم يعاملون الخلق بما اقتضته فيه حكمة الحقّ. فرحمة الله ورأفته بعباده وحكمته فيهم
__________________
(١) في المخطوط : ( الحادي عشر ).
(٢) في المخطوط : ( والعز ).
(٣) في المخطوط : ( حقيقة ).
(٤) الأنبياء : ٢٦ ـ ٢٧.