مغمور ، وهو شهيد الله وعينه في بريّته ، ولسانه المعبّر عنه بالصدق ، وسبيل خلقه إليه ، مع وقوع الفترات بين الرسل. وما ذاك إلّا لأنّ الحجّة غير ظاهر مشهور معروف بشخصه ، بل مغمور لا معدوم ، وإلّا لارتفع التكليف لارتفاع الحجّة المبيّن الحافظ للشرع القويم. فيكون الخلق حينئذٍ عبثاً ، ولا يجوز على الله العدل القادر الرحيم التكليف بما لا يطاق.
فتبيّن أن هذا المُشَبّه قد حكم على خليفة الله وأمره بما لم يأمره الله ، وطلب منه فعل ما لم تقتضِه حكمة الله وعدله ورحمته في تدبيره عباده ، بل اقتضت عكسه. وقد عرفت أن عدم ظهوره للأبصار الحسّيّة لا ينافي عزّه وظهوره للبصائر القدسيّة وتأييده الإلهي. فله شبه بالرسل كيوسف عليهالسلام : ومن ذكرنا منهم فقد أخفوا أنفسهم ، حتّى إن أسباط يعقوب عليهالسلام : لم يعرفوا يوسف عليهالسلام : أخاهم ، والحال أنهم لم يُزايلهم عزّ الله ونصره.
فما أورده هذا المُشَبّه وارد عليه في شأن هؤلاء الرسل ، بل وفي شأن محمَّد صلىاللهعليهوآله : قبل الهجرة ، مع أنه المجاب الدعاء ، المؤيّد بنصر الله وعزّه منذ خلق الله السماوات ، وإلّا لكان يحيى عليهالسلام : وأضرابه أفضل منه بوجه ، فلا يكون أشرف الكلّ في الكلّ مطلقاً ، وهو كذلك مطلقاً ، هذا خلف.
السادس : (١) أنه إن سُلّم دعواه وتمّ ثبت به حقيقة مذهب الرافضة ودعواهم اختصاص عليّ عليهالسلام : وبنيه الأطياب المعصومين : بالإمامة ؛ لظهور هذه الدعوى من الرافضة وغيرها ممّا اختصّوا به ، وانتشاره ودوامه واستمراره واشتهار ما برهنوا به عليه ، مع استمرار وجودهم ، وتزايد اشتهار دعواهم على مرّ السنين. والحال أنهم عدد نزر قليل جدّاً في كلّ زمان بالنسبة لأعدائهم ، مع شدّة حرص أعدائهم على إبادتهم.
ما ذاك إلّا نصر إلهيّ ، وتأييد ربّانيّ ، وإلّا للزم بمقتضى دعواه أن يأخذهم الله ويستأصلهم كسائر من تقوّل عليه ، فإنّهم يقولون : إن إمامة عليّ عليهالسلام : والأحد عشر من بنيه جاءت من الله بنصّ من رسول الله صلىاللهعليهوآله.
__________________
(١) في المخطوط : ( العاشر ).