وخُصّت الصبح بعدم الزيادة لأنّها في ساعة ليست من الليل ولا من النهار (١) ، وهي تشبه ساعات الآخرة ، فهي تحاكي رتبة أوّل فرضها ، ولأنها برزخ بين النور والظلمة ، والوجود والعدم ، والغيب والشهادة ، فهي تجمع المقامين ؛ ولذلك يجتمع فيها ملائكة الليل [ والنهار (٢) ]. وهي بمنزلة دولة الصاحب : عجّل الله فرجه وفرّج عنّا به فإنّها كالبرزخ بين المقام الذي أحبّ الله بحكمته أن يعبد فيه سرّاً وهو زمن دولة الجهل وبين المقام الذي أحبّ الله بحكمته أن يعبد فيه بكمال الإعلان ، وهو زمن دولة العقل ، وهو زمن الرجعة.
فساعة الفجر من الليل بوجه ؛ ولهذا اعتبرها الشارع تارة من الليل وأُخرى من النهار. فهي كرتبة الخيال الجامع لخواصّ المجرّد والمادّيّ ، لا من حيث هما كذلك كما هو شأن البرزخ والغيب والشهادة ، والظاهر والباطن. فأشبهت مقام بدئها ومعادها ، وبوجهٍ مقام المزج بين الطينتين وعركهما. ولضيق وقت الصبح بالنسبة إلى غيرها ، وكونها واقعة على أثر كسل النوم المضعف للقوى النفسانيّة التي هي مادّة العبادة ؛ أُبقيت على أصل الفرض ، والله رؤوف رحيم.
وكان منها ثلاثيّة إشارة إلى قسمة الوجود الثلاثي أيضاً : العقل والنفس والجسم ، والمجرّد والخيال والجسمانيّ. وإلى عدد الأجزاء الثلاثة الذين هم الثلاثة الظاهرة من الأربعة ، الّذين هم أركان الاسم الأعظم الّذي خلقه الله بالحروف ، غير متصوّت إلى آخره. وإلى تدويرات القبضات العشر الثلاث (٣) التي هي طينة المصلّي ، وبكمال الثلاث لكلّ واحدة من العشر يبلغ الغلام الحلم فيستحقّ أن تدفع إليه أمواله.
فإذا تمّت الثلاثة للعشر كملت ثلاثين عدّة شهر الميقات ، وأيّام الصيام التي صومها يصفّي النفس من أثر ما أكل آدم عليهالسلام : من الشجرة ، والذرّيّة في صلبه.
وإشارة إلى أوّل فرد من العدد بعد الواحد على ما هو الأقوى من دخول الواحد
__________________
(١) تفسير القمّيّ ١ : ١٢٦ ، بحار الأنوار ٨٠ : ١٠٧ / ٤.
(٢) إشارة الى ما ورد في الكافي ٣ : ٢٨٣ / ٢.
(٣) كذا في المخطوط.