[ لما (١) ] وجّه به التخصيص.
ولعلّ الجواب أن الفارق (٢) بذلك لم ينظر لما نظر له صاحب [ التفسير ] من ضعفه الفطري ، وتساوي عدم طاقته ، لثاني مرتبة الرحمة والضرّاء ، وإنّما نظر إلى أن كلّ ما ينال البشر من الرحمة الواسعة وإن كثر فهو قليل بالنسبة إلى سعة رحمة الله وعظمتها ، فكلّ ما يرد عليهم من الرحمة تضمحلّ نسبته إلى ينبوع الرحمة والجود ، فناسبه الإذاقة لقلّتها بالنسبة إلى المسّ. وناسب الضرّاء المسّ ؛ لأنّ القليل منها لا يحتمله البشر ؛ لضعفه ومنافاتها لأصل فطرته وعدم ملاءمتها لقواه وحواسّه ونفسه.
ويدلّ على هذا أن ذلك الفارق نظر إلى حال البشر في عموم الإذاقة والمسّ وإن بلغوا أشُدّهم كما هو ظاهر الآية الكريمة. فأين هذا ممّا فهمه المنظر على أن قوله : ( إن ضعفه الفطريّ يقتضي عدم إطاقته لأدنى الرحمة كالألم ممنوع ) (٣)؟ فإن ذلك الضعف يلائمه راحة الرحمة ، كما هو ظاهر مع أن الرحمة والألم ضدّان بل نقيضان بوجه ، فكيف يرتفعان ولا واسطة ، ولا بدل لهما؟
وأيضاً الضعف الفطريّ الثابت للإنسان ، ليس هو ما فهمه وأدركه نظره ، فإنّ الوجدان يدفعه ، بل ضعفه الفطريّ عدم كمال ظهور رتبة من رتب الوجود من حيث هي ، وعدم فعليّتها من حيث هي بحسب الكمال الظهوريّ فيه ، وعدم تقيّده بها. وذلك عين القوّة والشرف الذي امتاز به الإنسان عن جميع الخلائق و [ فُضّل عليهم (٤) ] به.
وعليه لا يتمّ النظر ، فنقول : لمّا كانت الضرّاء لا تأصّل لها في الوجود ، وإنّما هي بالعرض ، فهي لا تتجاوز الحسّيّات لأنها أصلها ومحتدها ، والرحمة عامّة لا نفاد لها لأنها وجدت أوّلاً وبالذات ، ولأنّ مبدأها من الله الذي لا ينقطع جوده ؛ لكون
__________________
(١) في المخطوط : ( بما ).
(٢) كذا في المخطوط.
(٣) نقله بالمعنى ، وهو قول النظام المار في الصفحة السابقة.
(٤) في المخطوط : ( وفضلهم ).