[ محتدها (١) ] ومبدئها من نفسه ماسّة له ومخالطة لكلّه ، كحاسّة اللمس التي لا يفقدها جزء منه حلّته الحياة من حين ولوج الروح فيه ، فهي أوّل قبس من الروح البخاريّ [ الذي (٢) ] يشتعِلُ به فتيلة زيت بدنه ، فتظهر فيه كالدفعة لفعليّتها فيه كلّه وإن كانت أيضاً مراتب لقبولها كأصلها الشدّة والضعف.
وكانت الرحمة لقلّتها بالنسبة إلى مبدئها ، ولظهورها فيه بالتدريج لأنّ الله تعالى لا يكلّف نفساً إلّا وسعها ، ولأنّها ضعة الوجود الذي لا تقبله إنّيّته اختياراً إلّا تدريجاً ؛ لأنه في الإيجاد دائماً بوجه ، وأصل وجوده بوجه ناسبها الإذاقة.
وأيضاً لمّا كان الإنسان في ابتداء أمره متكوّناً من الجسمانيّات التي هي محتد ظهور الضرّاء فهو حينئذٍ معدن ونبات وحيوان بالفعل ، والعقل إنّما يظهر فيه متدرّجاً كان ما يناله من الضرّاء التي هي من سنخ موادّ جسمه تعمّه وتمسّه ، وكانت الرحمة التي تناله كالإذاقة ؛ لعدم وسعه وقابليّته لقبول ما يمسّه منها في كلّ درجة اختياراً ، وإلّا لجاز الترجيح لا لمرجّح ، ولانتفت فائدة البعثة.
وأيضاً الرحمة منه حال كونه إنساناً من حيث هو حيوان غريبة ، كان ما يرد عليه منها أذاقه متصاعداً مشتدّاً في كلّ درجة بخلاف الضرّاء ، فإنّ كلّ ما يرد عليه حينئذٍ منها يمسّه ؛ لما مرّ وبالوجدان.
وأيضاً الذوق أعلى من اللمس ؛ لأنّ اللمس أقرب الحواسّ إلى الجسمانيّة الحيوانيّة وأنزلها ؛ لأنّها أوّل قوس الصعود ، ونهاية نزول النفس إلى الجسدانيّة ، وأوّل مراتب ظهور الحياة والروح الحيوانيّة ؛ ولذا لا يعيش حيوان بدونها أصلاً ، ويعيش مع فقدانه لما سواه من الحواسّ الخمس الجسمانيّة. فاللمس كالرحمة والهداية العامّة التي دخل فيها البرّ والفاجر ، وقد لا يوجد في بعض الحيوانات من الخمس سواه بخلاف الذوق. فكانت الضرّاء أنسب بالمس لعمومهما ، وقرب مبدئها من مبدئه ، ولدركها له بكلّه. والإذاقة أنسب بالرحمة التي هي أثر من آثار رحمة الله
__________________
(١) في المخطوط : ( محتداها ).
(٢) في المخطوط : ( التي ).