أحداً من أهل الكتاب تمسّك بأنّ المسلمين قائلون بنبوّة نبيّنا وحقّيّته ، فعلى المسلمين أن يثبتوا بطلان دينه (١). وذكر أنه أجابه : إنّا لا نسلّم ولا نقرّ بنبوّة نبيّ لا يقول بنبوّة محمَّد صلىاللهعليهوآله : وهو حاصل ما ذكره الرضا عليهالسلام : في جواب الجاثليق (٢).
قال الفاضل فأجابني بأنّ عيسى بن مريم : عليهاالسلام المعهود الذي لا يخفى على أحدٍ حاله وشخصه أو موسى بن عمران : عليهالسلام الذي لا يشتبه حاله على أحد من المسلمين ولا أهل الكتاب جاء بدين الله وأرسله الله نبيّاً ، وهذا القدر مسلّم عند الكلّ. فنقول : دين هذا الرجل المعهود ورسالته باقيان بحكم الاستصحاب ، فعليكم إبطالَه. فأفحم الفاضل المذكور ) (٣).
قلت : إذا تأمّلت جواب الرضا عليهالسلام : للجاثليق : وجدت هذا غير مبطل له ، وإلّا لما كان حجّة الإمام عليهالسلام تامةً بالغة فنقول : إن عيسى : عليهالسلام أو موسى : عليهالسلام وهو الشخص المعلوم الذي جاء برسالة الله ، وهو الشخص المعهود المعروف بين المسلمين وأهل الكتاب ، إن سلّم الكتابيّ أنه جاء بالبشارة برسالة محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب : وهو الشخص المعهود بين الخلائق ، وأخذ العهد على أُمّته بالإقرار به واتّباعه كما هو الواقع ، فرسالته حقّ ونحن نقرّ به ، وإلّا أنكرنا رسالته. فكلّ موسى أو عيسى لم يبشّر بذلك فهو ليس برسول ، لكن موسى أو عيسى : عليهماالسلام وهو الشخص المعهود المعروف قد بشّر بذلك ، وأخذ العهد على أُمّته به ، فقد لاح من هذا أن الاحتجاج بالاستصحاب لا يبطل تلك الحجّة ، بل لا تحقّق له معها.
ثمّ قال أبو القاسم : ( فقلت في إبطال الاستصحاب بعد فرض تسليم جواز التمسّك به في أصول الدين : إن موضوع الاستصحاب لا بدّ أن يكون متعيّناً حتّى يجري على منواله ، ولم يتعيّن هنا إلّا النبوّة في الجملة ، وهو كلّيّ قابل للنبوّة إلى الأبد ، بأن يقول الله تعالى : أنت نبيّ وصاحب دين إلى يوم القيامة ، وللنبوّة الممتدّة
__________________
(١) أي دين الكتابيّ.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام : ١ : ١٥٧.
(٣) قوانين الأُصول : ٢٩٩ ـ ٣٠٠ ( حجريّ ).