أحداً إلّا بما يقتضيه عمله ونيّته واعتقاده ، ولا ينعّم أحداً إلّا بما يقتضيه عمله واعتقاده ونيته وكرم الله ؛ فإن عمله واعتقاده ونيّته كرم من الله. كلّ ذلك بمقتضى عدله وحكمته ، بل عذاب المعذّبين ونعيم المنعّمين بوجه هو عين أعمالهم قال تعالى : ( إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (١).
وفي الخبر في وصف الجنة ونعيمها : « إنّما هو العالم وما يخرج منه » (٢). ودوام نعيم الجنة وعذاب أهل النار بمقتضى نيّاتهم.
وعذاب الكفار متجدد لا ينقطع أبداً قال تعالى : ( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) (٣).
فهي هي ، وهي غيرها ، وكذلك نعيم أهل الجنة متجدّد لا ينقطع أبداً ، وليس شيء من ذلك النعيم السرمديّ والعذاب الأبديّ بخارج عن مقتضى أعمالهم وعقائدهم ونيّاتهم ، ولا مباين لها ، وإنّما هو من قبيل بروز ما في القوّة إلى الفعل ، كما يدلّ عليه التجدّد والدوام ، ولأهل الجنة مزيد من كرم الله ، مع أنه في الحقيقة ليس بخارج عن مقتضى علمهم وعملهم وكرم الله. بل لأهل الجنّة أعمال من عبادة الله وشكره وحمده ، توجب لهم أن يتفضّل الله عليهم بالمزيد.
على أنه يكفي في سببيّة (٤) تكرّم الله عليهم بالمزيد دوامُ معرفتهم بالله وصفاته وأفعاله. وقد اقتضت حكمة الله وعدله ألّا يبرز ذلك النعيم وذلك العذاب بالفعل من كلّ وجه دفعة ، فإنه يستلزم الفساد ، وهو باطل بالضرورة ؛ لاستلزامه أنه ينتهي إلى حدّ ورتبة من الفعليّة.
إذا عرفت هذا ، قلنا : في حلّ هذا الإشكال ، وعلاج ذلك الدّاء العضال وجوه :
أحدها : أن يكون لعن المؤمنين ودعاؤهم بتضاعف العذاب عليهم معداً لهم لتعجيل بروز ما هو بالقوّة من عذابهم إلى الفعل ، فيتضاعف ما بالفعل من عذابهم ،
__________________
(١) الطور : ١٦.
(٢) بحار الأنوار ٢٤ : ١٠٤ / ١١.
(٣) النساء : ٥٦.
(٤) في المخطوط : ( سبيّته ).