[ بغض ] أعداءِ الله وعداوتِهم يتحقّق (١) بدون صورة الدعاء الّذي وعد الله المؤمنين إجابته ، ووعْد الله لا يُخلف ؛ فإن إظهار بغض أعداء الله يتحقّق بإظهار البراءة منهم ، ووصفِهم بما هم أهله ومجانبتِهم ، وشبه ذلك. ففي هذا الوجه إخراج للفظ الدعاء وضيعته عن [ مدلوله (٢) ] من غير دليل أيضاً.
وأمّا الثاني ، فهو عين الوجه الأوّل من وجهي السيّد نعمة الله : وفيه ما فيه ممّا ذكرنا ، ولا يصحّحه قوله : إني معذّبكم عذاباً بمقتضى كفركم ، وعذاباً بلعن اللاعنين. وإنه تعالى أكرم من أن يعذب أحداً إلّا بعذاب اقتضاه عمله ، بل عذابه بعين عمله ، فلا يزيد عليه ، وإلّا لكان السؤال مسلّماً لا مدفوعاً ، ولا يظلم ربك أحداً.
وأمّا الثالث ، فمحتمل ، لكنه يحتاج إلى تقرير بغير هذه العبارة ، وسيأتي إن شاء الله ما يوضح معناه بعبارة لا يرد على ظاهرها ما يرد على ظاهر هذه العبارة ، فإنه يرد عليها أنه يلزمها أن ما يستحقّه الكافر من العذاب بمقتضى كفره وعمله ونيّته ، منه ما هو موقوف على دعاء المؤمنين بإيقاعه بهم ، وليس الأمر كذلك ، فإنه لا ينفك من استلزام ما أُورد من سببيّة عمل الغير في عقابهم ، ولو على سبيل المشاركة ، فإنه ظاهر في أن سبب العذاب المتوقّف على دعاء المؤمن مركّب من عقائدهم وأعمالهم ومن لعن اللاعنين ، وهو عين الإشكال.
وأمّا الرابع ، فهو ثاني وجهي السيد نعمة الله : وفيه ما فيه.
ولعمري إنهم استحقّوا العذاب على ظلمهم للناس قبل لعن اللاعنين ، فهم يعذّبون عليه وإن لم يلعنوا ، فلو ظلموا طفلاً أو مجنوناً بقتل وغيره عذبوا بذلك. وإن لم يلعنهم المظلوم. أمّا عذابهم بلعن زيد ؛ لأنهم ظلموا عمراً (٣) فممنوع ، والإشكال وارد عليه.
ثمّ نقول وبالله الاعتصام ـ : اعلم أن العدل الحكيم سبحانه وتعالى لا يعذب
__________________
(١) في المخطوط بعدها : ( إظهارها ).
(٢) في المخطوط : ( مدلولها ).
(٣) كذا. هامش المخطوط.