ولعلّ الجواب أنه أراد أن المستثنى [ المنقطع (١) ] هو غير الرسل ، وفائدته دفع ما يختلج في بعض الصدور من الاستشكال في عموم نفي الخوف عن كلّ المرسلين ، مع أن فيهم من فرطت منه خطيئة ؛ إذ لا ينبغي ارتفاع الخوف عن العاقل إذا فرطت منه خطيئة ، فضلاً عن الرسل الّذين هم أشدّ الخلق خوفاً من الله. فلو لم يستثنِ ، لعمّ نفي الخوف جميع الرسل ، حتّى من فرطت منه صغيرة.
وقصد تعريض موسى عليهالسلام : بوكزة القبطيّ ، فبشّره الله ورفع عن قلبه الخوف الحاصل من ذلك بما ذكره من الاستثناء المنقطع ، ودفع به ذلك الإشكال ؛ فإنه إذا ثبت أن من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوء من سائر الخلق غير الرسل فإنه لا يخاف فإن الله غفور رحيم لكلّ من تاب وبدّل حسناً بعد سوء فالرسل أولى بذلك ؛ لأنهم لا بدّ أن يُتبعوها بما يمحوها ، ويستحقّون به الرحمة من الله تعالى.
فمن نكت هذا الاستثناء إذا قلنا : إنه منقطع نفي الخوف عمّن فرطت منه صغيرة من الرسل بنفيه [ عمّن (٢) ] سواهم. وفيه من اللطف وتعظيم الرسل ما لا يخفى ؛ إذ ليس في لفظه ما يصرّح بوقوع خطيئة من رسول ، بخلاف ما لو كان الاستثناء متّصلاً فإنه يكون تصريحاً بوقوع الخطيئة من بعض الرسل ، وفيه من كسر قلوبهم ، وفضيحتهم وحطّ بعض عالي قدرهم ما لا يخفى.
وقصد به تعريض موسى عليهالسلام بوعده المغفرة والرحمة والأمن بوعد غيره من غير تصريح له بما فعل ، ولا أمثاله. وفيه من إعظام موسى عليهالسلام : وملاطفته ما لا يخفى.
ومنها أنه إذا كان الاستثناء منقطعاً عمّت البشارة بالأمن ممّن لا يخلف الميعاد سائرَ من عصى من الخلق إذا تاب وبدّل حسناً بعد سوء ، بخلاف ما إذا كان متّصلاً ، فإن هذه النكتة تفوت. هذا كلّه على مقتضى مذهب [ القاضي ].
أما نحن فنقول : لا يمكن أن يفرط من رسول ولا معصوم خطيئة ، لا كبيرة ولا صغيرة في حال من أحواله أصلاً ، فلا يمكن أن يكون هذا الاستثناء متّصلاً بوجه
__________________
(١) في المخطوط : ( منقطع ).
(٢) في المخطوط : ( عما ).