أصلاً ، فعمّم نفي الخوف عن جميع الرسل تصريحاً ، وأتبع بشارته للرسل بالأمن بالبشارة لجميع من تاب وعمل صالحاً ثمّ اهتدى وبدّل حسناً بعد سوء من الخلق.
وأشار بهذا الأُسلوب الحكيم [ و ] بهذه التبعيّة إلى أن كلّ من بدّل حسناً بعد سوء كان من أتباع الرسل ، ومختلطاً بهم ، حتّى صحّ استثناؤه بالاستثناء المنقطع ، فإنه لا يصحّ الاستثناء وإن كان منقطعاً لمن ليس له مع المستثنى منه علاقة بوجه أصلاً ، بل لا يصحّ إلّا مع وجود علاقة تجمعهما كما لا يخفى على من تأمّل كتب النحاة.
وممّا يؤيّد أن هذا الاستثناء منقطع أن جماعة من أئمّة العربيّة نصّوا على أن ( إلّا ) تكون عاطفة بمنزلة ( الواو ) ، منهم الجوهري (١) : والفيروزآبادي (٢) ، والفيّومي (٣) وابن هشام (٤) : ونقله غير واحد عن الكوفيين (٥). بل ظاهر بعضهم أنهم يقولون بذلك في كلّ استثناء منقطع ، ونقل ذلك عن جماعة من النحويّين القدماء مثل جمع من أئمّة العربية بهذه الآية لذلك كما يظهر من إتقان السيوطي (٦) : وابن هشام (٧) : وغيرهما ، وأن منه هذه الآية ، والعطف يقتضي المغايرة.
وقال القمّيّ : إن معناه : ( ولا من ظلم ) (٨).
والظاهر أن مقصده ومقصدهم واحد.
ومن نكت كون هذا الاستثناء منقطعاً نفي الخوف عن جميع الرسل مطلقاً ، وهذا يستلزم النصّ على أنهم لا تقع منهم معصية بوجه أصلاً ، وأن ما يوهم وقوع المعصية منهم إنّما هو من باب ترك الأولى بمقامهم الأعلى وإن كان ذلك من غيرهم ، بل منهم عند تنزّلهم إلى غير ذلك المقام الأرفع ؛ لغرض إكمال الحجّة على الخلق ، ولو بإبطال شبهة دعوى الربوبيّة فيهم من أقرب القربات وأحسن الحسنات. فهم
__________________
(١) الصحاح ٦ : ٢٥٤٥ إلّا.
(٢) القاموس المحيط ٣ : ٤٨٤ ألَّ.
(٣) المصباح المنير : ١٩.
(٤) مغني اللبيب : ١٠١.
(٥) المصباح المنير : ١٩ ، البحر المحيط ٨ : ٢١٤ ، ولم يصرّح بنسبته للكوفيين.
(٦) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ١٩٠.
(٧) مغني اللبيب : ١٠١.
(٨) تفسير القمّيّ ٢ : ١٢٧.