يعدّون التفاتهم لما دون أعلى مقاماتهم ذنباً وتقصيراً ، فيستغفرون الله منه ، ويتوبون إليه.
وهذا مضاف لما سبق ذكره في توجيه عبارة القاضي : فلا تظهر هذه النكت لو قال قائل بأن الاستثناء متّصل ، بل يستلزم أضدادها من عدم عصمة الرسل من إظهار فضائحهم وعيوبهم المستلزم [ حطّ ] أقدارهم من القلوب ، المستلزم للاستخفاف بأوامرهم ونواهيهم وعدم الركون إلى صدقهم ، والله العالم.
وهذه التوجيهات كلّها على فرض أن ( إلّا ) حرف استثناء ، وأمّا على [ فرض ] أنها حرف عطف كما نصّ عليه كثير من أئمّة اللغة والعربيّة والتفسير بمنزلة الواو ، والمعنى : ( ولا الّذين ظلموا ) ، فالأمر سهل ، والمعنى ظاهر ، وهو الأرجح عندي ، حيث وضوح المعنى وارتفاع جميع الشبه والشكوك والإشكالات عنه ، ولأن المعروف من حال القمّيّ أنه لا يفسر إلّا برواية قد ثبتت عن أهل البيت عليهمالسلام : عنده ، بل سمعت من بعض ثقات المعاصرين أنه مرويّ برواية صريحة عن أهل البيت عليهم سلام الله ـ : في غيبة النعماني.
وهذا أيضاً لا ينافر القول بالاستثناء المنقطع ، وهما ينافران القول بأن الاستثناء متّصل ، فيدلّ ذلك بوجه على بطلان القول بالاتّصال.
بقي في القول بالاستثناء مطلقاً [ إشكال (١) ] هو أن [ إلّا ] الاستثنائيّة ، يثبت لما بعدها من الحكم نقيض ما لما قبلها ، والحكم الثابت للمستثنى منه في هذه الآية هو نفي الخوف. فبمقتضى القاعدة المسلّمة يثبت الخوف للمستثنى ، فيكون المعنى : أن الرسل لا يخافون أبداً وأن من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوء يخاف أبداً. وهذا ينافي وصفه تعالى نفسه في الآية بأنه غفور رحيم ، مع جميع أدلّة العدل.
ولعلّ الجواب من وجهين :
أحدهما : أن الخوف المنفيّ عن الرسل والمثبَت لمن ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوء هو خوف عقاب المعاصي ، فهو إشارة إلى عصمة الرسل ، وترغيب في التوبة لغيرهم ،
__________________
(١) في المخطوط : ( سؤال ).