وقوله (١) : ( وتقول أيضاً : ( ليس الإنسان إلّا الناطق ) ، فيفهم منه أحد معنيين :
أحدهما : أنه ليس معنى الإنسان إلّا معنى النّاطق ، وليس تقتضي الإنسانيّة معنى آخر.
والثاني : أنه ليس يوجد إنسان غير ناطق ، بل كلّ إنسان ناطق ) (٢) ، يريد أن هذه الصيغة تفيد أمّا المساواة في المعنى كما بين الإنسان والحيوان الناطق ، وإما المساواة في الدلالة كما بين الضاحك والناطق ) (٣) ، انتهى.
وقال قطب الدين : في ( المحاكمات ) : ( قوله : وقد تزاد في الحمليّات لفظة : ( إنّما ) وتفيد أن المحمول إمّا مساوٍ للموضوع أو خاصّ به ، فهو دالّ على نفي العموم ، أي على أن المحمول ليس أعمّ من الموضوع ، وإذا دخلها حرف السلب سلب دلالتها على نفي العموم عن المحمول ، وإذا سلب نفي العموم ثبت العموم.
وهناك نظر ؛ لأنّ لفظة ( إنّما ) في قولنا : ( إنّما الإنسان حيوان ) على ما تقتضيه قواعد العربيّة لا تفيد إلّا حصر الإنسان وهو المسند إليه في الحيوان الذي هو المسند حتّى يجوز أن يكون غير الإنسان حيواناً ، لا على حصر المسند في المسند إليه ، ليمتنع أن يكون غير الإنسان حيواناً. فهي لا تدلّ على مساواة الحيوان للإنسان ، ولا على كونه أخصّ منه.
وعلى هذا ليس ( إنّما ) لا يدلّ على العموم ، بل لمّا كان معنى الحصر إيجاباً وهو في المثال المذكور أن الإنسان حيوان ، وسلباً وهو ليس الإنسان غير حيوان ، فليس ( إنّما ) إمّا رفعاً لذلك الإيجاب ، أو رفعاً لهذا السلب.
وإذا قلت : ( ليس الإنسان إلّا الناطق ) ، يفهم منه حصر الإنسان في الناطق ؛ إمّا بحسب المعنى ؛ حتّى لا يكون للإنسان معنًى غير الناطق ، وإمّا بحسب الصدق ؛ حتّى لا يكون إنسان غير ناطق ، وهذا مستقيم على قاعدة العربيّة.
__________________
(١) أي ابن سينا.
(٢) الإشارات والتنبيهات. ( المتن ) ١ : ١٣٩
(٣) الإشارات والتنبيهات ( الشرح ) ١ : ١٣٨.