يكون جور هذا وظلمه سبباً في زوال ملك الآخر ونقص عمره مع أن رعيّة الجائر أيضاً ليس لهم ذنب في الجور؟ فكيف تنقضي أيّام أعمارهم على طريقة السرعة؟
والجواب عن الأوّل أنه قد ورد في الأخبار المستفيضة : أن أيّام دولة المهديّ تكون كلّ سنة تعادل سبع سنين. فقيل له : يا بن رسول الله ، إن الفلك لا يزول عن حركته هذه ، ولو زال لفسد. فقال عليهالسلام : « هذا قول الزنادقة والمنجّمين » (١).
وأمّا الإشكال الثاني ، فالجواب عنه [ أن (٢) ] غير الجائر من الرعيّة والملوك إن قدروا على إزالته عن الملك وسكتوا عنه مداهنةً ، فالذي يصيبهم من قصر الأعمار والملك إنّما هو بسبب المداهنة ، وقد عذّب الله تعالى في الأُمم السابقة من أذنب ومن داهن ، وجعلهم في العذاب سواء. وأمّا من لم يقدر على إزالته عن الملك فكان ينبغي له أن يفرّ عن بلاده ويطلب بلاد الله ؛ لأنّ السكنى مع الظالمين ذنب ، حتّى إنه ورد في الحديث : لو أن الجُعل بنى بيتاً في محلّة الظالمين لعذّبه الله تعالى بعذابهم (٣).
وأمّا من لم يقدر على الفرار ، أو كان الظلم قد عمّ البلاد والعباد ، فيجوز أن يكون سبحانه وتعالى يضيف إلى أعمار هؤلاء الذين لم يذنبوا بوجه من الوجوه بقيّة أيّامهم التي أسرع عليها الفلك بحركته ، فيعوّضهم أيّاماً ولياليَ بدلها في دولة من يأتي من الملوك.
ويظهر من هذا الخبر وغيره أن أيّام دولة الولاة مكتوب عند الله تعالى : لا تزيد ولا تنقص إلّا بالجور والعدل. أمّا لو أراد الناس والرعيّة والعساكر زواله ما قدروا عليه بوجه من الوجوه كما هو المشاهد حتّى تنقضي الأيّام ويأذن الله تعالى بزوال ذلك الملك ، فعند ذلك يزول بأنقص الأسباب وأدناها.
فلا ينبغي أن يخطر بخاطر أحد من الولاة أنه إذا فعل الفعل الفلانيّ كان سبباً
__________________
(١) الإرشاد ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) ١١ / ٢ : ٣٨٥ ، بحار الأنوار ٥٥ : ٩١ ـ ٩٢ / ١١.
(٢) من المصدر ، وفي المخطوط : ( أنّه ).
(٣) انظر : الكافي ٢ : ٢٧٢ / ١٥ ، الأمالي ( الصدوق ) : ٣٨٤ ـ ٣٨٥ / ٤٩٣ ، بحار الأنوار ٧٠ : ٣٧٢ / ٥.