والثاني : الاكتفاء ؛ لاقتضاء نيّة الصلاة ابتداءً كون كلّ فعل في محلّه ، وذلك يقتضي كون هذه الجلسة للفصل ، فلا تعارضها النيّة الطارئة بالاستراحة ؛ لوقوعها سهواً ، وقد حكم الأصحاب بأنّه لو نوى فريضة ثمّ ذهل عنها ونوى ببعض الأفعال أو الركعات النفل سهواً ، لم يضرّ ؛ لاستتباع نيّة الفريضة ابتداءً باقي الأفعال ، وبه نصوص عن أئمّة الهدى :
كرواية ابن أبي يعفور عن الصادق عليهالسلام في رجل قام في صلاة فريضة فصلّى ركعة وهو يرى أنّها نافلة ، فقال : «هي التي قمت فيها ولها» ثمّ قال عليهالسلام : «وإنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ من أوّل صلاته» (١).
وسأله معاوية عن الرجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظنّ أنها نافلة ، أو كان في النافلة فظنّ أنّها مكتوبة ، قال : «هي على ما افتتح الصلاة عليه» (٢).
ودخول هذه المسألة في ذلك ظاهر ، بل هو من باب مفهوم الموافقة ، كما ذكره الشهيد (٣) ، واختاره في قواعده (٤).
لكن يبقى هنا بحث ، وهو : أنّه قد سلف في ناسي الركوع ولمّا يسجد أنّه يجب عليه القيام ثمّ الركوع ؛ لسبق الهويّ بنيّة السجود ، فلا يجزئ عن الهويّ للركوع ، ومقتضى هذا الدليل عدم وجوب القيام هنا ؛ لاقتضاء نيّة الصلاة الترتيب بين الأفعال ، فيقع الهويّ السابق للركوع ، وتلغو نيّة كونه للسجود. ولكنّ الجماعة قطعوا بوجوب القيام ، مع حكم كثير منهم بالاجتزاء هنا بجلسة الاستراحة. والفرق غير واضح.
فإن قيل : مقتضى العمل استتباع النيّة الخاصّة (٥) ؛ لعموم «وإنّما لكلّ امرئ ما نوى» (٦) فيجب العمل به إلى أن يقوم الدليل على خلافه ، كما في نيّة المندوب ؛ للنصّ الخاصّ ، ونيّة واجبٍ لواجبٍ آخر لا نصّ عليه ، فلا يجزئ عن غير ما نواه.
قلنا : وقوع مندوبٍ خارجٍ عن الصلاة عن واجبٍ داخلٍ فيها يقتضي إجزاء واجبٍ منها
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٣٤٣ / ١٤٢٠.
(٢) التهذيب ٢ : ١٩٧ / ٧٧٦.
(٣) الذكرى ٤ : ٤٦.
(٤) القواعد والفوائد ١ : ٨٣.
(٥) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة. والظاهر أنّ الصواب هكذا : مقتضى الأصل استتباع العمل للنيّة الخاصّة.
(٦) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٩٢٠ ، الهامش (٤).