رحمهالله في المسائل الرسيّة ، فمنع المكلّف بذلك من أكل ما يفضل عمّا يمسك الرمق ، ومن نومٍ يزيد على ما يحفظ الحياة ، ومن تكسّبٍ يزيد على قدر الضرورة ، وبالجملة مَنَع من كلّ فعلٍ مباح أو مندوب أو واجب موسّع (١).
وربّما احتجّوا على ذلك بالإجماع.
وبقوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (٢) فإنّ المراد بها الفائتة ؛ لرواية زرارة عن الباقر عليهالسلام ابدأ بالذي فاتك (٣) ، فإنّ الله تعالى يقول (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (٤) والأمر للوجوب. والمراد به «لوقت ذكرى لك إيّاها» قاله كثير من المفسّرين (٥) ، والأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه ، والنهي في العبادة مفسد.
وبقول النبيّ مَنْ فاته صلاة فوقتها حين يذكرها (٦) و «مَنْ» من صيغ العموم.
وبصحيحة زرارة عن الباقر عليهالسلام «إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير طهارة وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم ثمّ صلّها ثمّ صلّ ما بعدها بإقامةٍ لكلّ صلاة» (٧) الحديث بطوله ، وغير ذلك من الأخبار.
وأُجيب : بمنع الإجماع ودلالةِ الآية على ذلك ؛ فإنّ فيها وجوهاً اخرى : أنّ الصلاة تذكر بالمعبود وتشغل القلب واللسان بذكره ، أو أنّ اللام للتعليل ، أي : لأنّي ذكرتها في الكتب وأمرت بها ، أو أنّ المراد لذكري خاصّة فلا ترائي بها ، أو أنّ المراد لأذكرك بالثناء. وبدلالةِ الأخبار على الوجوب المطلق لا الفوري ، ومطلقه لا يدلّ على الفور كما حقّق في الأُصول ، فيتعارض الوجوبان ، ويجمع بين الأخبار بالحمل على الاستحباب ، فإنّ العمل بالخبرين ولو بوجهٍ أولى من اطّراحهما أو اطّراح أحدهما.
وذهب المصنّف في المختلف إلى تقديم فائتة يومها ، سواء اتّحدت أم تعدّدت ما
__________________
(١) أجوبة المسائل الرسيّة الأُولى (ضمن رسائل الشريف المرتضى) ٢ : ٣٦٥.
(٢) طه (٢٠) : ١٤.
(٣) كذا في «ق ، م» والطبعة الحجريّة. وفي المصادر : «بالتي فاتتك».
(٤) الكافي ٣ : ٢٩٣ / ٤ ؛ التهذيب ٢ : ١٧٢ / ٦٨٦ ؛ الاستبصار ١ : ٢٨٧ / ١٠٥١.
(٥) كما في غاية المراد ١ : ١٠٣ ؛ وانظر التفسير الكبير ٢٢ : ٢٠.
(٦) أورده المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٤٠٦.
(٧) الكافي ٣ : ٢٩١ / ١ ؛ التهذيب ٣ : ١٥٨ / ٣٤٠.