علامةً عند طلوعه في البلد المرتفع والخالي عن موانع الرؤية عند الطلوع يستلزم تشريقاً في القبلة عن البلد التي يتأخّر طلوعه فيها يسيراً ، فلا يتّفق الخطّان الخارجان من نظر المستقبل ، ويأتي المحذور المذكور.
ولو قيل : المراد بطلوعه عن الأُفق الحقيقي ، وهو شيء واحد ، ويقدّر ذلك القدر في باقي الإقليم ، منعنا ذلك بما سيأتي إن شاء الله من أنّ سهيلاً عند طلوعه على الأُفق الحقيقي يطلع مشرقاً عن قبلة الشامي بما يزيد عن عشرين درجة ، وإنّما المراد بطلوعه بروزه لأبصارهم في أرضٍ معتدلة عرفاً من تلك البلاد ، ولا يضرّ التفاوت اليسير في جنب اعتبار الجهة ، كما لا يضرّ اختلاف وضع الجدي على محالّ الكتف مع صدق أصل الكيفيّة ، وسيأتي في بيان العلامات ما يدلّك على عدم تأثير هذه الاختلافات.
وقال في الشرح : جهة القبلة هي المقدار الذي شأن البعيد أن يجوّز على كلّ بعض منه أن يكون هو الكعبة بحيث يقطع بعدم خروجها عن مجموعة (١).
وهذا التعريف أجود من جميع ما سلف ، لكن ينتقض في طرده بفاقد العلامات أصلاً ، فإنّه يجوّز على كلّ جزء من جميع الجهات أنّه الكعبة ، فيلزم اكتفاؤه بصلاةٍ واحدة إلى أيّ جهة شاء. وكذا مَنْ قطع بنفي جهة أو جهتين وشكّ في الباقي ، فإنّه يصدق عليه التعريف ، ولا شيء من ذلك يطلق عليه أنّه جهة القبلة.
فالأسدّ حينئذٍ أن يزاد في التعريف كون التجويز لأمارة يجوز التعويل عليها شرعاً ، فيخرج منه ما ذكر ، ويدخل فيه المعتبر بالعلامات المذكورة في كتب الفقه وغيرها ممّا يجوز الاستناد إليه شرعاً ، فإنّ هذه العلامات المذكورة قليل من كثير ، فإنّ النصّ عن أئمّة الهدى «إنّما ورد ببعض علامات العراقي ، والباقي أُخذت من علم الهيئة ، كما نبّه عليه في الذكرى (٢).
ويرد عليه أيضاً : الصلاة (٣) بعيداً عن محراب المعصوم كمحراب النبيّ بأزيد من سعة الكعبة ، فإنّه (٤) لا يجوّز على ذلك السمت أنّ فيه الكعبة ؛ لما روي أنّهُ لمّا أراد
__________________
(١) جامع المقاصد ٢ : ٤٩.
(٢) الذكرى ٣ : ١٦٢.
(٣) الظاهر : المصلّي.
(٤) أي فإنّ المصلّي.