كيف! وقبلة الشام والعراق ومصر وأكثر بلاد فارس وخراسان ليست على نفس الجهات الأربع.
فإن قيل : اللازم من ذلك عدم الاجتزاء بالصلاة إلى الأربع وإن وقعت على الخطّ المستقيم ؛ لجواز كون القبلة المطلوبة بين الخطّين.
قلنا : وجوب ما زاد اندفع بالنصّ على الاجتزاء بأربع ، ولو لا ذلك أمكن القول بعدم الاجتزاء بالأربع ، فكان الاقتصار عليها رخصةً من الشارع وإن لم تُصادف إحداها القبلة ، كما اجتزأ بالصلاة مع تبيّن الانحراف اليسير ، فيصير المصلّي الأربع على الوجه المذكور إمّا مستقبلاً للقبلة ، أو منحرفاً عنها بحيث لا يبلغ حدّ اليمين واليسار ، وكلاهما مجزئ بالنصّ.
فإن قيل : ما تقدّم في الرواية من الصلاة لأربع وجوه أعمّ من وقوعها على الخطوط المذكورة ؛ للفرق بين الوجه والجهة.
قلنا : لا يجوز العمل بظاهرها كيف اتّفق ؛ لاستلزامه في غير ما ذكرنا من الفرض احتمال كون جهة القبلة خارجةً عن الجهة التي صلّى إليها وعمّا يكون خارجاً عنها يسيراً ، والصحّة منحصرة فيهما ، فتعيّن حملها على الجهات ، كما فهمه الأصحاب وعبّروا به ، فإنّ إطلاقهم الجهات الأربع إنّما ينصرف إلى ما ذكرناه ، كما لا يخفى على مَن اطّلع على مطالبهم.
(ومع التعذّر) أي تعذّر الصلاة إلى أربع جهات ، ويصدق ذلك بتعذّر واحدة فما زاد (يصلّي إلى أيّ جهة شاء).
فإن قدر على الصلاة إلى ثلاث جهات ، تخيّر في الساقطة ، أو عليها إلى جهتين ، تخيّر كذلك. ولو لم يقدر إلا على واحدة ، تخيّر في أيّ جهة شاء.
وهذا التفصيل وهو الصلاة إلى الأربع عند تعذّر الاجتهاد على بعض الوجوه اختيار أكثر (١) الأصحاب ، ولا شاهد له من الأخبار إلا مرسلة خداش ، المتقدّمة (٢) ، وهي
__________________
(١) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٩٦ ؛ والشيخ الطوسي في النهاية : ٦٣ ؛ والمبسوط ١ : ٨٠ ؛ وسلار في المراسم : ٦١ ؛ والمحقّق في المعتبر ٢ : ٧٠.
(٢) في ص ٥٢٣.